Q ما هي الطرق التي تجعل نية طالب العلم خالصة لوجه الله تعالى؟
صلى الله عليه وسلم الأسباب التي تجعل نية طالب العلم خالصة لوجه الله تعالى، وتبعد عنه الرياء كثيرة.
فأقول: لدفع الرياء أسباب كثيرة من أهمها: أن يتذكر الإنسان عظمة الله تعالى، وأنه هو الذي يستحق أن يعمل من أجل كسب مرضاته، فإذا علم العبد ما لله تعالى من صفات الكمال والجمال والجلال علم أنه لا أحد يستحق أن يعبد ويعمل من أجله إلا الله تعالى.
إذاً فتعظيم الله في قلبك من أسباب دفع الرياء، وفي مقابل ذلك من أسباب دفع الرياء: معرفة المخلوقين وضعفهم، وأنهم لا يملكون للإنسان ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
ومن أسباب دفعه: أن يعلم العبد ما أعد الله تعالى للمخلصين يوم القيامة، من الأجر العظيم، والنعيم المقيم، وأنه لن يحصل على ذلك إلا بإخلاص النية والقصد، وبالمقابل يعلم ما أعد الله تعالى للمرائين، إذ تجعل أعمالهم هباءً منثوراً ويقول الله تعالى: {اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء} .
ومن أسبابها أيضاً: أن يعلم مصير المرائي في الدنيا، فإن المرائي في الدنيا يكشفه الله -تعالى- عاجلاً غير آجل، لذلك قال العلماء ما أضمر عبد سريرة في قلبه إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وعلى فلتات لسانه؛ فيفتضح المرائي ولو بعد حين، فلا يحصل له ما يريد، أي أن المرائي إذا راءى من أجل أن يكسب مدح الناس فإن الله يفضحه، فيعلم الناس أنه مراءٍ.
ومن طريف ما يروى في ذلك ما حكاه الأصمعي: أنهم كانوا جالسين جماعة في مسجد يتحدثون في العلم، فجاء أعرابي فصلى ركعتين فحسنهما وأطالهما، فلما سلم قال له الأصمعي: ما أحسن صلاتك! قال: لا، ومع ذلك أنا صائم الآن، ولله الحمد.
فتبسم الأصمعي.
وإذا بأعرابي آخر يستمع إلى هذا الرجل فأنشأ يقول: صلى فأعجبني وصام فرابني نح القلوص عن المصلي الصائم صلى فأعجبني: يعني أول مرة لما كانت الصلاة أعجبتهم.
وصام فرابني: لما أخبره أنه الصائم فهذا سر لا داعي لكشفه.
نحي القلوص عن المصلي الصائم.
وأيضاً من طريف ما يروى في ذلك: ما نقله بعضهم عن أحد الأمراء، وهو طاهر بن الحسين أنه كان عنده جليس يقال له أبو عبد الله.
فقال له طاهر بن الحسين: يا أبا عبد الله، منذ متى قدمت العراق.
قال: قدمت العراق منذ عشرين سنة، وأنا صائم منذ ثلاثين سنة.
فتبسم طاهر بن الحسين وقال له: يا أبا عبد الله سألناك عن مسألة فأجبتنا عن اثنتين، وهو يوبخه في ذلك على الرياء.
(سألناك عن مسألة فأجبتنا عن اثنتين) .
ومن أسباب دفع الرياء: أن يحرص العبد على إسرار العبادة وإخفائها.
وموضوع إسرار العبادة موضوع طويل، من أحسن من تكلم فيه الإمام العز بن عبد السلام في كتابه "قواعد الأحكام"، وذكر أن العبادات تنقسم إلى أقسام منها: ما شرع الجهر فيه كالأذان والإقامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك، فهذه لا بد من الجهر فيها.
ومنها: ما شرع فيه الإسرار أصلاً، كالقراءة في الصلاة مثلاً، فهذه المشروع فيها أصلاً هو الإسرار.
ومنها: ما تختلف.
فيشرع فيها الجهر حيناً والإسرار حيناً، كالصدقة.
فهذا إن كان الإنسان ممن لا يقتدى به فالأفضل في حقه الإسرار أيضاً؛ لدفع الرياء.
وإن كان ممن يقتدى به فيشرع له أن يجهر بها ويعلنها حتى يدعو الناس إلى الصدقة أيضاً.