عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن من ورائكم أيام الصبر, الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للصابر فيهن أجر خمسين يعملون مثل عملي} وجاء في بعض الروايات, يا رسول الله! منهم؟ قال: {بل منكم} , والحديث رواه أبو داود والترمذي , وقال الترمذي حديث حسن غريب, وهو في الواقع ضعيف، ولكن له شاهد آخر عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه بنحوه، رواه المروزي بسند مرسل رجاله ثقات, وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه عند الترمذي وغيره, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يأتي على الناس زمان، القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر} إنسان ماسك جمرة في يده, ماذا يحدث؟ يحس بألم النار ولهبها، فيقول: الآن أتركها الآن ألقيها، ولكنه يتصبر حتى يصبره الله عز وجل, ومن يتصبر يصبره الله: وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبض على جمر فتنجو من البلا الطائفة المنصورة هم أئمة الأمة بصبرهم، كما قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] , قال سفيان بن عيينة رحمه الله: أخذوا برأس الأمر فجعلهم رؤوساً.
فالمعنى الحقيقي للصبر أنه حبس النفس، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه البخاري وغيره {ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب} , الصبر يكون في البأساء والضراء وحين البأس.
من الناس مَن قد يصبر في الشدة, إذا خاض المعركة يصبر صبراً جميلاً, لكن إذا أقبلت عليه الدنيا وجاءته الدنيا، والأموال، والمراتب، والجاه العريض؛ فإنه قد لا يصبر وقد ينسى, ومن الناس من يصبر في هذا ويصبر في ذاك, لكن إذا جاءته الشدة فإنه لا يستطيع أن يصبر ويتماسك، لهذا رَبَّى الله تعالى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة على الصبر, والعربي فيه أريحية وقوة وشهامة ومروءة، كان لا يصبر على الضيم.
ولا يقيم على ذل يراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد فالعربي كان بطبيعته لا يقبل الذل, يموت دون كرامته, لكن لما جاء الإسلام رَبَّى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أين يصبروا؟ وقال لهم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء:77] , فكان الواحد منهم يسحب في الشارع على وجهه، ويوضع في الرمضاء وتوضع الصخرة على ظهره, ويجره الصبيان يلعبون به، ويبصق في وجهه، ويؤذى ويقتل، ويأتي أبو جهل إلى أحدهم فيضرب زوجته في موضع العفة فيقتلها, ويشردونهم ويأخذون أموالهم، وينشرون ضدهم الإشاعات, وكل ذلك كانوا يواجهونه بالصبر الجميل.
وعندما جلسوا ثلاث عشرة سنة يصطلون بهذه النار, نضجوا نضجاً صحيحاً، فحينئذٍ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39] , {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج:40] إلى آخر الآيات, فلما علم الله -تعالى- صدقهم وصبرهم، وأنهم لما قيل لهم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء:77] كفوا أيديهم, بعد ذلك أذن لهم بالقتال، ثم أمرهم به، ونصرهم على عدوهم نصراً مؤزراً.
فمن الصبر أن تصبر على الشدة والصعوبة، وأن لا تتحرك بدافع الحماس المجرد، أو كما يقول بعضهم: أقف مكتوف الأيدي! إذا نزلت به مصيبة أو تصدى له عدو! لا يا أخي! لا تقف مكتوف الأيدي, هناك شيء اسمه الصبر؛ الصبر عبادة، تتعبد الله بالصبر, وهناك شيء آخر اسمه الدعاء، والدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {هو العبادة} , فهذا كله من الصبر، الذي يتميز به أفراد الطائفة المنصورة، وليس صبوراً من ينفعل ويفجر المواقف بحجة أن لا يقف مكتوف الأيدي, كما سبق "كفوا أيديكم" {ليس الشديد بالصرعة} .
الخاتمة:- هذه أبرز خصائص هذه الطائفة، في حدود ما ظهر لي، وما علمت، وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم منهم, وأن يكتب على أيدينا وأيديهم نصر الإسلام في كل مكان, وأن يقر أعيننا وأعينكم بارتفاع كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله, وأن يكتب لهذه الأمة النصر والتمكين على عدوها في كل مكان، وأن يخذل أعداءها حيث كانوا, إنه على كل شيء قدير.
اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك, اللهم اهدنا واهدي بنا, اللهم انصرنا على القوم الكافرين لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين, اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.