السنة الثانية: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] المعيشة الضنك هي الفساد في البر والبحر، كما قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] الفساد في البر، كقلة الأمطار -مثلاً- وجدب الأرض والقحط الذي يصيب الناس والزروع والثمار والدواب وغيرها، ولذلك تجد أن الناس في كثير من الأحيان يستسقون فلا يسقون، ويستمطرون فلا يمطرون، ويعودون إلى أنفسهم وربما شكك بعضهم في أهمية الاستسقاء، أو سؤال الله تعالى، ونقول: هذه سنة من سنن الله تعالى، لأن توقف الأمطار في كثير من الأحيان له سبب، فإذا أزال الناس الأسباب التي بها حرموا الغيث بإذن الله تعالى سقوا، وقد كان العلماء السابقون إذا طُلب منهم أن يذهبوا للاستسقاء يطلبون من الناس إصلاح الأوضاع، بدءاً من الحاكم ومروراً بكل أفراد المجتمع، ولعلكم تعرفون قصة الإمام المنذر بن سعيد البلوطي رحمه الله، وهو عالم من علماء الأندلس، لما أرسل إليه الحاكم يطلب منه أن يخرج إلى صلاة الاستسقاء، قال للذي جاءه، (للرسول) اذهب فانظر ماذا يصنع الحاكم، هل هو منكفئ على شرب الخمور، وعلى سماع غناء المغنيات، وعلى اللعب بالأحجار وغيرها وعلى الفساد؟ فلا داعي أن نستسقى، أما إذا كان بخلاف ذلك فتعال وأخبرني، فلما ذهب الرسول إلى الحاكم وجد أنه ساجد يبكي، يدعو الله، وقد بلل لحيته بالدموع، وهو يقول: يا رب! هاأنا عبدك منطرح بين يديك، لماذا تؤاخذ العباد كلهم بسبب جرمي أنا؟ فهذا أكبر شخص يشعر أنه هو المخطئ الأكبر والمسئول الأول، وأنه ربما عوقب الناس بسببه، فرجع وقال للشيخ المنذر بن سعيد: وجدت الحاكم يفعل كذا وكذا وكذا، فقام المنذر بن سعيد لتوه وقال: يا غلام، احمل الممطرة، إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء.