Q فضيلة الشيخ كيف يحقق الداعية خلق الشجاعة الأدبية، وكسر الهيبة من نفسه، أفيدونا أفادكم الله؟
صلى الله عليه وسلم كيف يحقق الداعي خلق الشجاعة، أولاً: إن كانت الشجاعة موجودة في الأصل عنده؛ لأنها قد توجد أحياناً لكن بحكم أن الإنسان لا يستعملها فقد لا يدرك أنه شجاع، فإذا جرب الإنسان وجد أن عنده إمكانيات للشجاعة الأدبية، فعليه حينئذٍ أن ينفض الغبار عن هذا الخلق المركوز فيه، ويحرص على الشجاعة الأدبية، أي مثل الوقوف أمام الناس ومثل الخطابة، والكلام، والأمر، والنهي في المواقف العامة، والقدرة على أن يتحدث الإنسان مع الناس، ولو كان في مجلس عام، ولو على غير انتظار، ومثل الرد على إنسان أخطأ بأسلوب مناسب، وعدم الهيبة الكبيرة من الناس، فهذه الأشياء مطلوبة، أما إن كان يعرف الإنسان من نفسه أنه ليس كذلك، ولم يفطر على مثل هذا الأمر، فإن التجربة تثبت أن بإمكان الإنسان أن يصل إلى كثير من هذه الأشياء عن طريق التدريب والممارسة.
فمثلاً الوقوف أمام الناس للخطابة أو للكلمة أو حتى للصلاة والأمر والنهي أمر قد يهابه الكثير منا بالفعل، ولو جرب الإنسان نفسه في المواقف الصغيرة؛ ففي الفصل - مثلاً- يحرص الإنسان في درس التعبير أو الإنشاء إذا وجد فرصة أن يتكلم، ولو كلمة يسيرة، وأن يضبط نفسه بحيث يتكلم بهدوء، فلا يسرع فيقع في خطأ! فربما يجعله لا يحاول مرة أخرى، ويرتب ما سيقول، ثم المدرسة ثم في مثل هذه التجمعات المشتركة، وإذا تدرب الإنسان، وترقى شيئاً فشيئاً، وجد أن هذه الأشياء التي يمكن أن يمارسها بعد ذلك بشكل عادي جداً، فيتكلم في الملأ كما يتكلم في الخلاء، ويتكلم وأمامه أعداد غفيرة من الناس كما لو كان بمفرده، ولا يجد في ذلك أي صعوبة، وصحيح أنه قد يكون عنده في نفسه الوقت هيبة من أمر آخر لم يتدرب عليه.
وأضرب لذلك مثلاً في شيء من العجب: بعض الإخوة قد يكونون أساتذة في المدارس، فتجد أن الواحد منهم يقف أمام ستين أو سبعين طالباً أو مائة طالب، وربما في الجامع -أحياناً- يلقي أمامهم الدرس، وهم على مستوى عالٍ من المعرفة، والعلم، والخلق، فلا يجد في ذلك أي حرج، ويجد أنه أمر عادي يمارسه بكل يسر وسهولة، فإذا انتقل الشخص نفسه إلى مسجد فيه عشرون أو عشرة من العوام الذين لا يفقهون شيئاً، فأراد أن يقوم أمامهم ليتكلم بكلمة أصابه ما قرب وما بعد، وأصبح يحسب حسابات كثيرة لهذه الوقفة، وربما يتردد مرة، وثانية، وثالثة، ويقدم مرة ويحجم مرة، وهذا كله موجود، فهذا عجيب؛ لأنه تدرب أن يقف أمام مائة من طلاب جامعيين - مثلاً- بسهولة؛ لكن يجد صعوبة أن يقف أمام عشرة من العوام؛ لأنه لم يعتد ذلك، ولأن الطلاب -مثلاً- في المدرسة أصلاً ينتظرون مجيئه، وينتظرون أن يتكلم، فمن الطبيعي عندهم أن يتكلم أما أولئك فالغالب أن قيامه ومجيئه أمر غير معروف لديهم، وهذه لها ناحية.
فالإنسان الذي يفقد الشجاعة الأدبية، هو الذي يبالغ في النظر إلى ما عند الناس، وإلى ردود فعل الناس، وإلى ماذا سيقول الناس، وإلى نظرات الناس، فتوجد هذه الأشياء عنده هيبة عن الوقوف أمامهم، أما إذا استطاع الإنسان أن يكسر هذا الحاجز، ويعطي الناس قدرهم الطبيعي ولا يضخمهم؛ فحينئذٍ ستزول هذه الأشياء كلها بإذن الله.