الوسيلة الرابعة والأخيرة: هي وسيلة الإبدال، وأعني بها أن الإنسان -كما أسلفت في مطلع الحديث عن هذه الفقرة- فيه دائماً خصال حسنة وفيه خصالٌ مذمومة، فعلى الإنسان الذي يشكو في نفسه خلقاً ذميماً معالجة هذا الخلق الذميم بالوسائل السابقة وغيرها؛ وعليه بالمقابل أن يحرص على تنمية الأخلاق الفاضلة في نفسه، وتعميقها وتوسيع ميدانها، والتركيز عليها حتى تكبر في نفسه، فتغطي على بعض الأخلاق الرديئة.
هب -مثلاً- أن فيك خلقاً فاضلاً هو الحلم كما مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أشج عبد القيس، فاحرص على قراءة سير الحلماء والكتب في الحلم والاستفادة من التجارب التي تمر بك حتى تحاول أن تعمق هذا الخلق الحميد في نفسك، ليصبح طابعاً بارزاً مميزاً، افترض -مثلاً- أن عندك خلق حب الإحسان إلى الناس، وحب خدمتهم، احرص على تنمية هذا الخلق وعلى أن تقوم بأي عمل تقصد من وضعه الإحسان إلى الناس وخدمتهم، ليس بحكم الطبيعة والجبلة فقط بل أن تقصد عمداً أن تقوم بالأعمال التي تحسن بها إلى الناس ولو كانت أعمالاً شاقة، أو تكلفك شيئاً، دون أن تنتظر من الناس جزاءً أو شكوراً أو أن يردوا عليك مقابل هذا الأمر بل أن تبذل دون انتظار الجزاء من الناس، وإنما تنتظر من الله عز وجل، فأنت حينئذٍ تمارس طبيعة جبلية ترتاح لها، لأن الإنسان الأريحي الكريم ينشط ويفرح بالعطاء، كما قال أحد الشعراء في مدح أحد الكرماء يقول: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله أي: هذا الرجل الكريم إذا جئت تطلب منه شيئاً يتهلل ويفرح، حتى كأنك أنت الذي تعطيه ما تسأله، فهو يفرح -كما قال بعضهم في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام- أشد من فرح الآخر بما يأخذ، فالإنسان إذا كان عنده خلق الإحسان إلى الناس يحرص على تنمية هذا الخلق ودعمه وتوسيعه؛ حتى يغطي من الأخلاق المذمومة ويشغل كثيراً من وقت الإنسان وحياته ونشاطه، وقل مثل ذلك أيضاً في أي خلق فاضلٍ آخر يمكن أن يوجد عند الإنسان، فبهذه الوسائل وغيرها يستطيع الإنسان أن يعظم ويزيد من الأخلاق الفاضلة الحميدة في نفسه، ويوسع رقعتها في حياته، ويستطيع أن يقلل ويقلص الأخلاق الذميمة في نفسه، ويضعف من دورها وتأثيرها في حياته.