الأمر الثالث: أن الله تعالى إذا مكن هذه الأمة في الأرض، فان تمكينه لها تمكين رضا أما تمكينه الكافرين فهو تمكين إملاء، قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً} [آل عمران:178] .
الأمر الرابع: أن الله تعالى يختص المؤمنين إذا أعطاهم ومكنهم بخاصيتين مهمتين: الأولى: خاصية البركة: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96] .
الثانية: خاصية الطمأنينة في قلوبهم وأرواحهم، هذا مع خاصية الجزاء في الدار الآخرة.
أيها الأحبة، يقول بعض الناس في كثير من الأحيان -وهذه كلمة دارجة- يقول: اعمل ولا تنتظر النتيجة، وهذا دليل على أننا نجهل هذه السنن، أو نعتقد أننا نحن المسلمين لسنا بمنجاة، أو أننا بمنجاة منها ولسنا واقعين تحت طائلتها، وهذا في الواقع يوحي بفصل النتيجة عن السبب، وكثيراً ما يعزل المسلم نفسه عن الآخرين، فتجد المسلم يتبرأ من الأخطاء أو يعجز عن معالجة الأخطاء الموجودة في نفسه، ولكننا كثيراً ما نكون شجعاناً في الحكم على الآخرين، جبناء في الحكم على أنفسنا، كثيراً ما نزكي واقعنا العقائدي والسلوكي، ونتهم واقع الآخرين.
مثلاً تقع مصيبة في أي بلد، فتجدنا نسارع إلى أن نقول: هذا بما كسبت أيديهم، هذا بذنوبهم لكننا ننسى أننا نحن الآخرين، معرضون للمصائب والمشكلات بسبب ما كسبت أيدينا، وبسبب ذنوبنا، وأن المصائب الكبرى الموجودة هنا وهناك هي موجودة عندنا أيضاً، كما قيل: إن بني عمك فيهم رماح.
وفي كل واد بنو سعد! فالكوارث الموجودة في بلاد الإسلام موجودة في كل بلد، ولا يجوز بحال من الأحوال أن نزكي أنفسنا، أو نزكي واقعنا، فتجد الإنسان يقول: الحمد لله، نحن بخير، ونحن ونحن، فإذا قلت: يا أخي! ألا ترى المنكرات؟ ألا ترى بيوت الربا التي تحارب الله ورسوله؟! ألا ترى أجهزة الإعلام وكيف تمسح عقول الناس؟! ألا ترى مصادرة حرية الدعاة إلى الله تعالى وطلبة العلم؟! ألا ترى؟ ألا ترى؟ قال لك: يا أخي نعم، ولكننا بحمد الله نمتلك العقيدة الصحيحة، وعندنا التوحيد، وعندنا، وعندنا…! وينسى أن كثيراً من الناس انسلخت قلوبهم حتى عن العقيدة الصحيحة، فأصبح عندهم عبادة للمادة، وعبادة للدرهم والدينار، وتوكل على الأسباب، وغفلة عن الله عز وجل، وأصبح عند كثير منهم تضييع لحدود الله تعالى، وجهل وتفريط وانحراف ونحن ما زلنا نتغنى بأمجاد سابقة، وأمور كان أجدادنا يتكلمون عنها في الماضي، وننسى الانحراف الموجود عندنا الآن، ونزين واقعنا ببعض الطلاء الحسن اللَّماع، الذي يعفينا من تغيير هذا الواقع والمجاهدة في إصلاحه نحو الأفضل ونحو الأحسن.