الحكمة في الدعوة

السؤال يقول: عند ملاقاة شاب حالق، ومسبل أو مدخن، أو من هواة سماع الأغاني، فما هي الحكمة في دعوة هذا الشاب إلى الله تعالى، وبأي هذه الخصال يبدأ الكلام معه؟

صلى الله عليه وسلم وقع في يدي -بالمناسبة ورقة وزعت في المساجد عن الإسبال فتعجبت من تلك الورقة، مكتوب فيها قف! وهي ورقة طيبة، ولا شك أن الذي كتبها مأجور إن شاء الله تعالى ما دامت نيته صالحة، وهو محتسب.

نقدر جهود كثير من الشباب، وبعض الجهود التي تنطلق من أجل إصلاح الواقع ودعوة الناس إلى الخير والمشاركة؛ لأن بعض الناس يقول: لا بد أن نشارك في الخير؛ فيشارك بحسب وسعه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] لكن هذا ما يمنع من التصحيح والتعديل والملاحظة.

ووجدت في هذه الورقة قف، ثم مكتوب: هل تعلم يا أخي أن الفاصل بين الجنة وبين {نَاراً تَلَظَّى لَا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:15] هو مسافة بضع سنتيمترات.

ثم ذكر حديث الإسبال، ثم قال: إن بعض أهل العلم ذهب إلى أن المسبل لا تقبل له صلاة.

أنا أعتقد أن هذه العبارات ليست لائقة في هذا الإطار وبهذا الشكل، لأسباب: أولاً: أن النار التي هي: {نَاراً تَلَظَّى لَا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:15] ؛ هذه والله تعالى أعلم هي نار الكفار التي هي نار الخلود، فالأشقى هو الكافر الذي بلغ في الشقاء مداه وهو الخالد المخلد في نار جهنم أبداً.

أما المسلم وإن عصى الله تعالى، فإنه قد يعذب في النار ثم يخرج منها.

فالتعبير بأن الإسبال وعدمه فاصل بين الجنة وبين {نَاراً تَلَظَّى * لَا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:15] هذا فيه تعميم وفيه شيء من وضع الآية في غير موضعها.

ثم الكلام عن قضية قبول الصلاة وعدم قبول الصلاة.

لماذا اخترت أشد الأمور؟ الناس الآن ليسوا في فترة إقبال على الخير ورغبة فيه؛ لأن الذي في إقبال رغبة بمجرد ما تعطيه أي وعيد ممكن أنه ينصاع وينزجر عنه، لكن الناس اليوم أصبحوا يسمعون كلاماً كثيراً، وقد يسمعون بعض المنسوبين إلى العلم يتسامحون في الإسبال ما دام من غير خيلاء.

مثلاً: ربما سمعوا هذا في بعض الإذاعات الأخرى، وربما قرءوا في بعض الكتب، وربما اطلعوا على بعض الفتاوى، فليس من المناسب أن تقدم لهم اجتهادك في هذه المسألة، واجتهاد بعض علمائنا هنا في هذا الإطار، وأن نفرق بين الجنة وبين نار تلظى، وأنه لا تقبل له صلاة؛ لأن الصحيح أن صلاة المسبل مقبولة -إن شاء الله تعالى- فالحديث الوارد فيها ضعيف، حديث {إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره} هو ضعيف؛ فيه أبو جعفر، كما قال المنذري، ورجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه.

فلا داعي لذكر هذه القضية التي لا تثبت.

ثم إنه كما قلتُ: النار التي تلظى هي للكافر، أما المؤمن فإنه قد يعذب لكن ليس بهذه النار التي {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16] فالسياق واضح أنه في شأن الكفار.

كان من الممكن أن تأتي في موضوع الإسبال بعبارة رقيقة لينة لطيفة يا أخي الكريم، وتذكر قصة عمر أنه قال لرجل: [[يا أخي ارفع إزارك، فإنه أتقى وأنقى وأبقى]] وتتحدث عن هذه القضية، وعن سمة المؤمنين، وعن التواضع، وعن عناية الإسلام بالمظهر، وأن هذا جزء من العناية بالمظهر، وغير ذلك من الأشياء التي يتقبلها عقل الإنسان، يتقبلها فهمه، وتدخل في قلبه بسهولة ويسر، ولكن تأتي الإنسان وهو قد يكون غافلاً ثم تضربه في وجهه بمثل هذه العبارات، فينتبه لذلك، ولا بد من التلطف في دعوة الآخرين، والتحبب إليهم بسلوك أنسب، وأقرب الطرق إلى نفوسهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015