والسبب الثاني الذي يجعل كثيراً من الناس يجهلون هذه السنن، هو أن السنة أثرها بعيد، والفارق والفاصل بين السبب والنتيجة طويل قد لا يدركه الإنسان في عمره المحدود، إنما يدركه الذين ينظرون إلى مساحة واسعة، وربما امتدت المسافة بين السبب وبين النتيجة -مثلاً- بين الظلم الذي يقع وبين عقوبته، وربما امتدت المسافة إلى عمر جيل بأكمله، فربما حصد جيل ثمرة لم يكن هو الذي غرسها، وربما غرس جيل آخر شجرة، يقطف ثمرتها غيره.
مثال: الظلم يقع اليوم وتظل الجهة التي قامت بالظلم، ومارست الظلم، وتسلطت على البلاد والعباد، وظلمت الناس في أنفسهم، وفي أرزاقهم، وفي حقوقهم وفي أعراضهم، تظل هذه الجهة الظالمة لفترة ما، ممكنة في الأرض، منهمكة في قهرها، وتسلطها وطغيانها، فحينئذ يشك بعض الناس- أصحاب النظر القصير- يشكون في هذه السنن ويقولون: أين السنة الإلهية من هذا الظلم الفادح الواقع الذي لم تأت عقوبته؟ ثم تقع نتيجة هذا الظلم بعد زمان يطول أو يقصر، الله تعالى أعلم به، فهو مقدر الأقدار سبحانه، تقع نتيجة هذا الظلم -مثلاً- بعد عشرات السنين، فبعض الناس يعون ويدركون، ويقولون: هذه العقوبة نتيجة ظلم قديم يتذكرونه، أما آخرون، فإنهم يصرون على تجاهل السنة، محتجين بواقع آخر ظالمٍ لم تجر عليه السنة، فإذا قلت لهم اليوم مثلاً: إن ما حصل بهذه الجهة أو تلك سبب للظلم الذي حصل قبل عشر أو عشرين أو ثلاثين أو مائة سنة، قالوا: لا يا أخي، لو كان هذا كذلك، فلماذا تجد المكان الآخر فيه ظلم ومع ذلك لم تحق عليه السنة الإلهية، ولم يؤاخذه الله تعالى بظلمه؟