إن من أمثلة المحبة السابقة وصورها, ما يرويه لنا الإمام مالك في الموطأ بإسناد صحيح, كما يقول النووي -رحمهم الله- عن أبي إدريس الخولاني رحمة الله تبارك وتعالى عليه قال: [[دخلت مسجد دمشق فإذا فيه فتى براق الثنايا, وإذا الناس حوله، فإذا اختلفوا في شيءٍ أسندوه إليه, وصدروا عن رأيه فيه, قال: فنظرت إليه فوجدت الناس محيطين به، حتى خرج، فلما كان من الغد هجّرت إلى المسجد -يعني: بكرت إليه- فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي, فانتظرته حتى إذا قضى صلاته, أتيته من قبل وجهه, فسلّمت عليه ثم قلت له: إني أحبك في الله, قال: آلله, قلت: آلله, قال: آلله, قلت: آلله؟ قال: آلله؟ قلت: آلله ثلاث مرات يستحلفه بالله هل أنت صادق في محبتك لي في الله, كلها يؤكد أبو إدريس فيها أنه يحبه في الله - فقال له هذا الرجل: أبشر، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ, ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ, ووجبت محبتي للمتباذلين فيّ} ]] .
إذاً: النقطة الثانية التي نبنيها على النقطة الأولى, هي: أن مجمل المسلمين وإن كانوا في الجملة أمة واحدة, وزمرة واحدة في قلوبهم, إلا أن بين قلوبهم من التفاوت ما بينها، وكلما كان الإنسان أكثر قرباً من الله بالعلم النافع والعمل الصالح؛ كان الصالحون أكثر محبة له؛ نظراً للتشاكل بينهم في الظاهر والباطن.