إذاً بمقتضى هذه الآية فالناس صنفان: الأول: أهل الذكر: وهم أهل العلم والمعرفة المفتون، الذين يُسألون عن الحرام والحلال وباقي الأحكام.
والصنف الثاني: هم العوام: الذين لا يعلمون ولا يعرفون، فيحتاجون أن يعلموا ويعرفوا ويسألوا، فمن يسألون؟ يسألون أهل الذكر: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وهذا ماأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس وجابر وغيرهما في قصة صاحب الشجة أن رجلاً من الصحابة كان في غزوةٍ فأصابته جراحة (شجة في رأسه) فاحتلم ليلاً وأراد أن يغتسل- احتلم وخاف إن اغتسل أن يتضرر- فسأل فقالوا له: لا نرى لك إلا أن تغتسل، فاغتسل فمات، فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: {قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال} فالذي فيه عي وجهل شفاؤه أن يسأل، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلموا أن يسألوا من يعلم، فإن السؤال هو شفاء العي والعجز والجهل.
وهكذا في الحديث الصحيح في قصة الرجل الذي كان له غلام يعمل عند رجل عسيف فزنى بامرأته، فافتدى من زوج المرأة -أخذ الزوج من هذا الرجل مائة شاة ووليدة- مقابل ما فعله ولده بزوجته، يقول أبو الولد: فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {لأقضين بينكم بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك- التي افتديت بها من زوج المرأة رد عليك- وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغدُ يا أنيس على امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها فغدا إليها فاعترفت فرجمها أنيس رضي الله عنه} والمقصود أن الرجل قال: فسألت أهل العلم فأخبروني، وقال هذا لسيد المفتين وإمام المعلمين عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك أقره على ذلك- صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه أنه سأل أهل العلم حتى والرسول -صلى الله عليه وسلم -حاضر بين ظهرانيه.