النفوس كما ذكرها ابن القيم، ثلاثة أنواع: نفسٌ أمارة بالسوء، ونفسٌ لوامة، ونفسٌ مطمئنة، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم، متى تكون أمارة؟ ومتى تكون لوامة؟ ومتى تكون مطمئنة؟ قال ابن القيم رحمه الله: النفس الأمارة بالسوء هي: نفس الإنسان بالبداية؛ لأنها تريد أن تهلكك، فهي تأمر بالسوء، وليست آمرة، لا.
أمّارة، وعلماء اللغة يقولون: هذه العبارة تعني: المبالغة، عندما تقول: فلان يأكل، لكن إذا قلت: فلان أكّال، أي: لا يترك شيئاً، فلان لاعب لكن فلان لعّاب، صيغة مبالغة.
هذه النفس ليست آمرة، بل أمَّارة، أي: شأنها باستمرار، أن تأمر بالسوء، والسوء أي: السيئات، والمعاصي، والشرور، والآثام.
وأعطيك مثالاً الآن، في رمضان إذا وقفت بعد الإمام في صلاة التراويح، كم يصلي أكثر الأئمة؟ عشر ركعات أو ثمان ركعات، وفي الحرم يصلون عشرين ركعة، والصلاة لا تستغرق أكثر من ساعة، كيف تدخل نفسك عليك في هذه الصلاة؟ وتضخمها وتطولها وتهولها، وإذا أكملت التسليمة الأولى، أتت النفس وقالت: يالله، بقي تسع ركعات من يقوم لها ويقعد؟ وكل قليل تراه ينظر في الساعة، ويقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وإذا ركع رجم بنفسه من أعلى، وإذا قام الإمام من التسليمة الثانية جلس إلى أن يقرأ الإمام الفاتحة، وبعضهم يجلس إلى أن يركع الإمام ثم يقوم.
من أجل ساعة لله كيف تفعل النفس؟ وعندما تكمل صلاة التراويح، ويخرج إلى السوق، والزوجة الله يكرمك تقول: ما عندي حذاء خذ لي حذاء، وأين تذهب بها؟ في سوق الأحذية الأوروبية، وتدخل من معرض إلى معرض ومن دكان إلى دكان، وبعد ذلك تخرج وتقول: لم أجد المطلوب، وتصل البيت تنظر الساعة من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الثانية، ثلاث ساعات من أجل حذاء وما تعبت، وساعة من أجل الكبير المتعال وخرجت وأنت متعب.
يقول بعضهم: يا شيخ! الإمام هذا فتان، والله ما أكمل الصلاة إلا وقد كسر ظهورنا، الله يكسر ظهره، الله ينصرنا عليه، والله لا أصلي معه، لماذا؟ قال: يا شيخ! هذه ليست تراويح، هذا تهجد، يتهجد بنا من أول رمضان، لا إله إلا الله! انظر نفسك أمام مشاهدة كرة القدم، إذا انتهى الوقت النظامي للمباراة، وهو تسعون دقيقة، والمباراة على كأس والفريقان متعادلان، يتمنى كل مشاهد ألا يدخل جول في تلك اللحظات، لماذا؟ قال: من أجل التمديد لوقت إضافي، لكي نرى كذلك نصف ساعة كرة، وهم وقوف في المدرجات، يصلون لكن للكرة، لماذا النفس تجعلك هنا ولا تجعلك هناك؟ إنها أمارة بالسوء، خذ صحيفة وخذ مصحفاً، الصحيفة تقرؤها حرفاً حرفاً، من أولها إلى آخرها، والمصحف من أول ما تراه، بعضهم يقول: شكراً ما نريد، الحسنات كثيرة لا نريد قرآناً.
لكن ما هو دورك أنت مع نفسك؟ دورك أن تتدخل، تأتي النفس تقول لها: الصلاة فتقول: إنها متعبة، تقول: لا.
صلي، والله لن تخرجي إلا بعد آخر ركعة، يقول لي أحد الإخوة من إخواننا الشباب جزاه الله خيراً، يقول: سمعت درساً لك، وآليت على نفسي أني لا بد أن أربيها، وقلت: أول تربية لها في رمضان، يقول: لأول مرة في حياتي أصلي عشرين ركعة في الحرم، يقول: كنت أصلي تسليمة أو تسليمتين وبعد ذلك أخرج، وإذا تقويت ثلاثاً أو أربعاً، لكن أكمل عشرين ركعة، هذا مستحيل في حياتي، يقول: وفي أول ليلة من رمضان، قلت: والله لو تكسرت تكسيراً سوف أصلي عشرين ركعة، يقول: وصليت وجاء آخر رمضان والله ما وسوست لي ولا قالت لي كلمة؛ لأنها عرفت أن معها رجلاً، لكن لو أنه جلس يماليها ويشاورها، قالت: نم.
الآن شارب الدخان، هل يستطيع أن يشرب الدخان في نهار رمضان؟ لا يفكر أبداً؛ لأنها عرفت أنه مصمم لا يقرب الدخان، لكن إذا أفطر وأذن للمغرب وأتى بتمر، تأتي النفس وتقول: واحدة فقط، وقام يدخن، ويشرب، لماذا ما أتته في العصر أو الظهر؟ لأنها علمت أنه لا يطيعها، وهذه النفس كما يقول البوصيري:
النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يَصم أو يُصم