النفس هذه مهمتك أن تنهاها عن الهوى والمزاجية، وأن تخضع الهوى للشرع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) هذا معيار، هل هواك الآن ومزاجك تبعاً لما جاء به الرسول أم ما جاء به الرسول تبعاً لهواك؟ بعض الناس الآن ما جاء به الرسول من الدين تبعاً لهواه، إن أراد شيئاً أخذه وإن لم يرده تركه، ولهذا يصلي الظهر في الدوام، ولا يصلي الفجر في المسجد، ولا يصلي العصر في المسجد، لماذا؟ لأن صلاة الظهر توافق الهوى؛ لأنه يريد أن يتخلص من المكتب ويذهب يتطهر ويجلس ويتأنى ويصليها من وقت الدوام، ولهذا لا أحد يترك صلاة الظهر في المسجد.
لكن اختبره بصلاة العصر، إذا خرج الساعة الثانية والنصف من الدوام، ووصل البيت الساعة الثالثة إلا ربع أو الثالثة تماماً، وتغدى وملأ بطنه، ثم أذن العصر، فهنا يكون الإيمان الصادق، هل ما جاء به الرسول هو الذي يحكمك، أم الهوى؟ وإن كنت قد نمت وتركت الصلاة فالذي يحكمك هواك، وهو ليس تبعاً لما جاء به الرسول، ولكن ما جاء به الرسول تبعاً لهواك، أخذت منه صلاة الظهر وضيعت العصر، وبعد ذلك يقوم الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة ويقعد يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ثم ذهب يصلي المغرب، والعشاء ربما، لكن إذا بحثت عنه في الفجر لا تجده، ما هذا الانتقاء؟ كأنه ينتقي ويختار، وكأنه يخطئ الواحد القهار، فيأخذ الذي يناسبه، ويترك الذي لا يناسبه، هذا ليس بدين، ولهذا يقول الله: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] أي: معلوماً مفروضاً محدداً.
ليس لك حق أنك تأخذ الذي تريد وتترك الذي لا تريد، أنت عبد، والله يقول: انهض الساعة الرابعة والنصف للصلاة فتجعلها الساعة السابعة من أجل الدوام، وتقوم تصلي وتذهب للدوام، وإذا لم يكن هناك دوام فإنه لا يصلي إلا الساعة العاشرة؛ لأن الخميس والجمعة ليلة سهرة، وصلاة الفجر الله يرحمها، ما هذا -أيها الإخوة-؟! (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه -مزاجه، فكره- تبعاً لما جئت به) ويقول عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] اتخذ إلهه هواه ليس مولاه، ولا خالقه ولا سيده، فماذا حصل لما اتخذ إلهه هواه: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] أضله الله على علم؛ لأنه اتخذ إلهه هواه، ولو أنه اتخذ إلهه مولاه لهداه الله، لكن لما اتخذ إلهه هواه أضله الله: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية:23] ختم على سمعه فلا يسمع كلام الله، وإن سمع لا يدخل، تصبح أذنه فيها وقر، يسمع كلام الله فلا يبالي كأنه يكلم غيره، وقلبه مقفل لا تدخل فيه موعظة: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23].
غشاوة أي: حواجز لا يرى بسببها طريق الخير، ولا يرى طريق النور، ويراها بصورة غير صحيحة، قال عز وجل: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] من أين يأتي هذا كله؟ نتيجة اتخاذك للهوى إلهاً من دون الله عز وجل.