ومن عقيدة أهل السنّة والجماعة، ومن معتقدهم وأصولهم: وجوب طاعة ولي الأمر المسلم.
وهذه المسألة تخفى على كثير من طلبة العلم، وينبغي أن نتوسع ونتوقف فيها، لأن القضية ليست قضية مجاملات أو مداهنات، بل هو أصل من أصول أهل السنة والجماعة، يجب أن تفهمه على أنه عقيدة، ليس هوىً ولا خوفاً ولا مجاملة للسلطان، ولا رغبة فيما عند السلطان.
والله! ما نقول هذا إلا براءة لذمتنا، وبياناً لعقيدتنا التي هي عقيدة أهل السنّة والجماعة أنه يجب على كل مسلم طاعة ولي الأمر المسلم ما لم يأمر بمعصية الله، طاعته في المعروف، أما إذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له فيما أمر به من معصية، وتجب طاعته في خلاف ذلك، يعني: إذا أمرك بمعصية فلا تطعه في المعصية، لكن لا تعصه في بقية الأوامر؛ لأنه لا يجوز لك أن تخرج عن طاعته، فعقيدة أهل السنّة والجماعة أنه يجب طاعة ولي الأمر المسلم فيما ليس بمعصية، أما المعصية فلا يجوز طاعته فيها ويجب طاعته فيما بقي، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ويقول عليه الصلاة والسلام: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد) وحديث العرباض بن سارية حديث مشهور، والذي قال فيه: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال في نهايتها: وعليكم بالسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌ كأن رأسه زبيبة) هكذا معتقد أهل السنّة والجماعة.
وهذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكره شيخ الإسلام ابن القيم وذكره الإمام أحمد، وذكره الإمام البغوي في كتاب شرح السنّة، وذكره الأئمة كلهم، منهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه، ذكره في المسائل التي خالف الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية فيها، وهي مائة مسألة ذكر في المسألة الثالثة: اعتقاد بعض الناس -وهذه مصيبة حتى بعض الشباب قد يقع فيها وهو لا يدري- أن مخالفة ولي الأمر وعدم طاعته فضيلة وقوة في الله وصدع بالحق وعدم الخشية في الله من لومة لائم، وأن السمع والطاعة لولي الأمر ذل وإهانة ومداهنة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم، والنصيحة لهم وغلَّظ في ذلك وأبدأ وأعاد، لما في عدم طاعة ولاة الأمر من المفاسد التي لا يعلمها إلا الله.
ويقول عبد الله بن المبارك: أصل جميع الفرق الضالة وهي اثنتان وسبعون فرقة تجتمع في أربع فرق، القدرية والمرجئة والرافضة والخوارج، فمن قدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترضى عن الصحابة كلهم، ولم يتكلم في بقيتهم إلا بخير، ودعا لهم، وكف عما حصل بينهم فقد خرج من التشيع أوله وآخره، ومن قال: الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره، ومن قال بالصلاة خلف كل إمام بر أو فاجر وجاهد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره، ومن قال: المقادير كلها من الله خيرها وشرها، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنّة.
هذا هو معتقد أهل السنّة فيما يتعلق بولي الأمر، إذ أن الخروج على ولي الأمر المسلم انتبهوا! ولي الأمر المسلم مقيدة بالإسلام أما ولي الأمر الكافر هذا له تعامل آخر لكن ولي الأمر المسلم الذي يحكم بالشريعة فإنه يجب طاعته حتى ولو حصل منه ظلم، ولو حصل منه مخالفة أو جور، فلا ينبغي الخروج عليه، ولا ينبغي طاعته إذا أمر بمعصية، ولكن يطاع في غيرها ويدعى له، فإن الدعاء له طاعة لله.
يقول: الفضيل بن عياض: لو أني أعلم أن هناك دعوة مستجابة لصرفتها لولي الأمر، وتروى هذه الحكاية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه؛ لأن في الدعوة له مصلحة للإسلام والمسلمين، نسأل الله عز وجل أن يصلح وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه الله ويرضاه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من المفاسد أكثر من الذي خرجت لإزالته.
اقرأ التاريخ؛ فلا يكاد يعرف عن طائفة خرجت على ذي سلطان إلا ووقع بخروجها من المفاسد عليها وعلى الأمّة أعظم مما خرجت من أجله، فهي خرجت لتزيل مفسدة فوقعت في مفسدة أكبر، ولهذا تقدم المصالح وتدرأ المفاسد، هذا معتقد أهل السنّة والجماعة.