ومن أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بالملائكة، والتصديق بوجودهم، وأن الله عز وجل خلقهم لعبادته، وأنهم موكلون ببعض الوظائف.
فنؤمن بهم على الإجمال والتفصيل، فعلى الإجمال: نؤمن بأنهم من جنود الله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4] {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] أما على التفصيل فنعرف بعضهم وبعض وظائفهم، فنعرف جبرائيل وأنه أمين الوحي، ونعرف ميكائيل وأنه ملك الغيث الموكل بإنزال الغيث، ونعرف إسرافيل وأنه نافخ الصور، ونعرف مالكاً وأنه خازن النيران، ونعرف رضوان وأنه خازن الجنان، ونعرف رقيباً وعتيداً الموكلان بكتابة الحسنات والسيئات، وغير ذلك ممن وردت بهم الأدلة، هذا على التفصيل.
وأيضاً يقتضي الإيمان بالملائكة وبوظائفهم: أن نلتزم بما يقتضيه هذا الإيمان، فإذا آمنتُ أن هناك رقيباً يسجل حسناتي، وعتيداً يسجل سيئاتي، فإنني أصنع الحسنة وأبتعد عن السيئة، فأحذر من أن يُسجل علي شيء، وأرغب في أن يسجل لي شيء، لكن الذي يقول: أنا مؤمن برقيب وعتيد، ولا يعمل سوى السيئات؛ فهذا كاذب، فلو أنه صدر أمر، مثلاً: أن الناس يذكرون الله، ولذا تقرر أن يعلق مع كل شخص مسجل في رقبته، وفي نهاية كل يوم يُفتح هذا المسجل، وتحسب ألفاظه، فمن ذكر الله عز وجل: سبح الله أو حمد الله أو هلل أو أثنى على الله، فإن له في كل تسبيحة ريالاً، وبكل تحميدة ريالاً، وبكل تهليلة ريالاً، بينما الذي يلعن أو يسب أو يشتم، أو يغتاب أو ينم، أو يكذب؛ على كل كذبة ضربة، ما رأيكم من منا لن يذكر الله عز وجل؟! والله لن نشتغل إلا بذكر الله! وإذا أتاك شخص يكلمك فستقول له: لا يا شيخ! سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لماذا؟ قال: سأكسب ريالاً على كل ذكر، ويجيء آخر النهار ويفتح المسجل ويجد عشرة آلاف تسبيحة ويأخذ عليها شيكاً بعشرة آلاف ريال، بينما آخر لم يجد سوى ألف تسبيحة أي بألف ريال، ما رأيكم في شعور هذا الذي حصل على ألف ألا يحزن ويندم؟ سيبيت الليل كله يقول: يأخذ عشرة آلاف وأنا ألف فقط! والله ما أقول كلمة في الغد إلا سبحان الله، لماذا؟ لأنه آمن بقيمة الريال الشرائية.
حسناً! ما الذي يمنع الناس الآن من التسبيح والتهليل؟ وما الذي يدفعهم إلى اللعن والسب والشتيمة والغناء واللهو إلا عدم إيمانهم بأن هناك من يسجل الحسنات والسيئات، وما آمنوا أن الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} [ق:18] أي: أي كلمة تخرج من فيه: {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]! فهذا معنى الإيمان بالملائكة، أنك تؤمن بالملك وبوظيفته، وينقدح في ذهنك شيء من إيمانك به، وهكذا تؤمن بمنكر ونكير، وأنهما ملكا سؤال، وتؤمن بمالك خازن النيران، ولا تود أن تمر من عنده، وتؤمن برضوان وتتمنى أن الله عز وجل يدخلك الدار التي هو مسئول عنها، هذا هو معنى الإيمان بالملائكة.
ومن أعظم ما يقوي الإيمان في قلب الإنسان بإذن الله: الحديث عن الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20] يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره السيوطي في صحيح الجامع وصححه الألباني يقول: (أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام) أي: رقبته فقط، فأنت لا تتجاوز رقبتك بضع أصابع، بينما هذا الملك طول عنقه مسيرة خمسمائة عام، لا يعصي الله طرفة عين، وأنت رقبتك أربع أصابع وتعصي الله، ماذا أنت بالنسبة له وهو من حملة العرش؟ وحملة العرش ثمانية، قيل ثمانية من الملائكة، وقيل ثمانية صفوف {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17].