الثاني: توحيد الألوهية وهو: توحيد الله بفعلك أنت، فكما وحَدَّته بفعله توحده بفعلك، ما هو فعلك؟ العبادة، فلا تجعل مع الله في عبادتك شريكاً، فتصرف جميع أنواع العبادة منك إلى الله، وإذا صرفت منها شيئاً لغير الله فهذا هو الشرك، مثل الدعاء، والدعاء نوع من العبادة، بل هو العبادة، يقول الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60] أي: عن دعائي، فسمّى الله الدعاء عبادة، وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] فالدعاء يجب أن يصرف منك -أيها العبد- لله: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] فلا يُصرف لنبي، ولا لولي، ولا لإنس، ولا لجن، ولا لأحد؛ لأن الدعاء إذا صرفته لغير الله أشركت، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا تدعُه، بعض الناس يقول: مدداً يا نبي! وهذا هو الشرك الأكبر، لا تقل ذلك.
بل قل: مدد يا ألله؛ لأنك تدعو النبي والنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك أو يعطيك أو يمنعك، بل لا يعلم شيئاً بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، إلا أن الملائكة تبلغه السلام فقط.
أما ما تحدثه الأمّة من بعده فهو لا يعلم عنه شيئاً، ولهذا جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام من أمّته يذادون عن الحوض، فتقول الملائكة: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة:117] سحقاً سحقاً وبعداً بعداً لمن غير وبدل) فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك الآن إذا قلت: مدداً يا نبي! وكذلك لا يجوز دعاء الأولياء أصحاب الأضرحة والقبور، كما يُصنع في بعض البلدان، يأتي الرجل أو المرأة إلى صاحب القبر يدعوه من دون الله، يدعونه دعاءً لا يُصرف إلا لله، يقول الرجل منهم: (يا سيد العارفين! العارف لا يُعرّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب، أنت تعرف ما في قلبي، وتعرف غرضي؛ أعطني غرضي).
من الذي يعرف ما في قلبك إلا الله، هذا هو الشرك الأكبر، فلا تصرف الدعاء إلا لله، والذبح إلا لله قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام:162] والنسك يعني: الذبح {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] فلا تذبح لغير الله: لا لقبر، ولا لولي، ولا لجن، ولا لأي غرض، فإنك إن ذبحت لغير الله أشركت، ولا يدخل في هذا ذبيحتك في بيتك لضيوفك، حتى لا يأتي بعض الناس فيقول: أنا لن أذبح للضيف؛ لأن الذبح لغير الله شرك، لا.
اذبح للضيف فإنه لله، لماذا؟ لأنك تقول: باسم الله والله أكبر.
أما الذبح لغير الله؛ فهو أن تذبح عند القبر ولا تسمي الله، أو تسمي باسم القبر أو باسم الولي، أما إذا ذبحت لله وذكرت اسم الله وكان الغرض من هذه الذبيحة إكرام ضيفك، أو الذبح لأهلك حتى تأكل في بيتك، فهذه لله إن شاء الله.
كذلك النذر، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والاستعانة، والاستغاثة، والاستعاذة، كل هذه من أنواع العبادة فلا تصرف منها شيئاً إلا لله، وإذا صرفت -أيها العبد- منها شيئاً لغير الله؛ فهذا هو الشرك الأكبر المخرج للإنسان من الملة.
هذا هو التوحيد الثاني واسمه توحيد الألوهية، وهو: توحيد الله بأفعال العبد.