الالتزام بالوحدة العامة وفق الوحيين

أولاً: أمة الإسلام أمة واحدة، وربها واحد، ودينها واحد، ونبيها واحد، وكتابها واحد، يقول الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] والمسمّي لهذه الأمّة بأمة الإسلام هو الله عز وجل: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] فلا مسمَّى لهذه الأمّة غير هذا الاسم، ولا داعي للعاملين في ساحات الإسلام من أن يرفعوا لوحات أو شعارات بغير مسمّى الإسلام؛ لأن الانتماء إلى أي مسمّى والالتفاف حول أي شعار يلزم منه الولاء له وترك الولاء لغيره، وبالتالي تتشتت الأمّة وتتفرق، وإذا تفرقت فشلت؛ لأن الله قد أمرنا بالاعتصام وبأن نكون مجتمعين، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَق تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103] ويقول أيضاً: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159].

فلا سبيل -أيها الإخوة- إلى نصرة الإسلام عن طريق التشتت والتشرذم والتفرق، لا بد من الاجتماع على الحق، وما دامت هذه الجماعات تدّعي أنها كلها على مذهب أهل السنّة والجماعة فلمَ الفرقة ولمَ الخلاف؟ ولمَ التنازع؟ ولمَ الشتائم والسباب؟ ولمَ التفسيق والتبديع؟ ولمَ التجهيل؟ إن هذا كله من كيد الشيطان، ما دامت أمتنا واحدة، وربنا واحد، وكتابنا واحد، ومنهجنا واحد، وطريقنا واحد، فيجب أن نسير في هذا الخط، أما إن اختلفت الأساليب فقط، يعني: أنا أدعو إلى الله على منهج أهل السنّة والجماعة بأسلوب أرى أنه هو الذي ينفع الناس، ويأتي رجل آخر فيدعو إلى الله على مذهب أهل السنّة والجماعة لكن يرى أن أسلوبه هو أفضل من أسلوبي، ليعمل هو بأسلوبه وأعمل أنا بأسلوبي وذاك يعمل بأسلوبه، وفي النهاية نلتقي كلنا عند نقطة واحدة وهي: نصرة هذا الدين، فلا بأس في ذلك، أما أن أختلف معه في الرأي وفي الأسلوب، فيأخذ من الاختلاف في الأسلوب ذريعة إلى الاختلاف في المنهج والطريق، فهذا شر لا ينبغي أن يقع.

أهل السنّة والجماعة هم الفرقة الناجية التي قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) هذا هو المنهج، فإذن جميع الفرق التي تنتمي إلى الإسلام، وتقول: إنها تعمل للإسلام، إن لم تكن على مثلما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإنها في النار.

حسناً! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان أصحابه؟ هاهو المنهج أمامنا: كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد شرع الله عز وجل للأمة وأمرها بالاعتصام، وشرَّع لها من العبادات ما يدعوها إلى الاعتصام، وما يؤهلها إلى الاجتماع، فما الصلوات الخمس، والجمعة، والحج، والعيدين؛ إلا طريقٌ من الطرق التي يهيئها الله عز وجل للاجتماع حتى لا تتفرق هذه الأمّة.

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بخبر الافتراق وتحقق، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، قال: (وستفترق هذه الأمّة) وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فافترقت الأمّة في أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، بينما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانت هناك فرق أبداً، وفي عهد أبي بكر الصديق وعمر وعثمان ما كانت هناك فرق، وإنما كان كلهم معتصمين بالكتاب والسنّة، أما في عهد علي فقد بدأت الفتن تخرج أعناقها، وبدأت الصراعات تحصد، وخرجت فرقة اسمها الرافضة، وجاءت أخرى كردة فعل للرافضة اسمها الخوارج، فـ الرافضة تُؤَلِّهُ علياً، والخوارج تكفر علياً، فكانت ردة فعل! ثم جاءت الفرق من بعدهم، فجاءت القدرية، والمعتزلة، والأشعرية، كل هذه الفرق ضلت عن منهج الحق وعن منهج الكتاب والسنّة، وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وازداد هذا التفرق، فكلما بعدت الأمّة عن القرون المفضلة -قرن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرن الثاني، والثالث- كلما ازدادت الأمة تفرقاً، وتوسعت زاوية الانفراج والبعد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن هدي أصحابه رضوان الله عليهم؛ وكثرت النحل وتعددت الملل، وكثرت المذاهب الباطلة.

ولكن بقيت الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المتمسكة بالإسلام الصحيح تدعو إلى الله، ولا تزال ولن تزال بحمد الله مستمرة صادقة حتى يأتي وعد الله عز وجل.

هذه الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الكتاب والسنّة، على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتتميز هذه الفرقة بميزة غير موجودة في جميع الفرق، وهو الذي جعلنا نجزم بأنها هي الفرقة الناجية، هذه الميزة هي: الاعتصام بالكتاب والسنّة وبالاجتماع وعدم التفرق، هذه ميزتهم: أنهم يقفون عند النص، فإذا سمعوا: قال الله! صدروا عنه، فإذا لم يجدوا في كتاب الله رجعوا إلى السنّة: قال رسول الله، فأخذوا بها، فإذا لم يجدوا من السنّة نظروا فيما قال السلف، ثم ما أجمعت عليه الأمّة وأخذوا به.

هؤلاء الذين يأخذون أحكام الله من هذه المصادر ويقفون عندها، هم أهل السنة والجماعة، بخلاف الفرق والملل والنحل الأخرى الذين يقدمون الآراء على كتاب الله، فإن وافق القرآن معتقدهم أخذوا به، وإن عارضه أَوَّلُوْه، وإن وافقت السنّة معتقدهم أخذوا بها، وإن خالفته أبطلوها، وقالوا: هذه أحاديث غير صحيحة، وهي صحيحة لكنها تخالف ما يعتقدون.

إذن الذي يرجعون إليه ليس الكتاب ولا السنّة، وإنما ملتهم نحلتهم فرقتهم مذهبهم إذاً ليسوا هم الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية هي من تقف عند كلام الله وعند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند التطبيق المثالي الصحيح للكتاب والسنّة، وهم: الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015