قال: (وأما العبد الفاجر، الكافر، والمنافق) العاصي الهارب عن الله، الذي لا يعرف الله ولا رسول الله، ولا الإسلام، إنما يعرف الهوى، والغناء، والزنا، واللعب، واللهو، والأفلام، والمسرحيات، ومتابعة الفتيات، والمكالمات، والمعاكسات، يعيش عبداً لشيطانه وشهواته، هذا ماذا يقول؟ يقول: (هاه)، (يقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري).
لقد كان نائماً، واستيقظ الآن، ما استيقظ إلا في القبر، (فتقول له الملائكة: لا دريت ولا تليت)، أي: تدعو عليه: جعلك الله لا تدري! قال: (فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي) فإنه يدري، بلغته الحجة، لكنه كذاب مماطل دجال، عبد للشيطان (كذب عبدي، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها وسمومها حتى تقوم الساعة) نعوذ بالله وإياكم من ذلك! وعن أنس رضي الله عنه، والحديث أيضاً في صحيح البخاري وصحيح مسلم ورواه أبو داود في السنن والنسائي يقول عليه الصلاة والسلام: (إن العبد إذا وضع في قبره تولى عنه أصحابه -أي: آخر من يدفنه- وإنه ليسمع قرع نعالهم) أي: أرجلهم وهم راجعون يسمعها الميت، وسوف أسمعها وتسمعها أنت ويسمعها كل واحد منكم في القبر، هذا الحديث صحيح.
وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم (إن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه سمع قرع نعالهم إذا انصرفوا، وأتاه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل -محمد- فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، وأما الكافر والمنافق -وفي رواية: وأما المنافق والكافر- فيقول: لا أدري لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت ولا تليت) يروي هذا الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وأنس هذا صحابي جليل رضي الله عنه، وهو خادم الرسول، وقريب الرسول لأمه، وتلميذ النبي صلى الله عليه وسلم، تتلمذ على يديه عشر سنوات، وهو آخر من مات من الصحابة رضي الله عنه، أمه أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله! إني أعطيك هذا خادماً لك، ولكن ادع له، فدعا له وقال: اللهم أطل عمره، وأكثر ماله وولده) فأطال الله عمره حتى بلغ عمره مائة وثلاث سنوات، وأكثر الله أولاده حتى خرج من صلبه مائة وستة ولد، جيش من صلبه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكثر الله ماله، حتى كانت بساتين الكرم -العنب- والنخيل تثمر في السنة مرتين، وجميع ثمار الأرض كلها تثمر مرة واحدة في السنة، إلا نخيل وعنب أنس، وفي يوم من الأيام رضي الله عنه جاءه عامله في بستانه فقال له: إن بستانك قد أقحل وليس فيه ماء، فنظر إلى السماء وكان في يوم صيف قائظ، والشمس في وسط النهار، فدعا الله عز وجل أن يمطره، يقول: فثار السحاب في وسط السماء، ثم جاءت على مزرعته، فأمطرتها حتى ملأتها، يقول: ثم لما جاء وأخبروه، قال: انظروا هل تجاوزتها، قالوا: والله ما تجاوزت حدودها، وسقيت المزرعة كاملة ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل العظيم، ويقول: [منذ موت النبي صلى الله عليه وسلم ما نمت ليلة إلا رأيته فيها] عظيم هذا الرجل، نحن ما نرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا نعتبره حرماناً، لماذا؟ لأن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن رآه في المنام فقد رآه حقاً، لقد كان يحب الرسول ويعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: [ما نمت ليلة إلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالمنام] رضي الله عنه وأرضاه، هو راوي هذا الحديث، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم في أول أمره أن القبور فيها فتنة، وأن الأمة تفتن في قبورها، ثم أوحى الله له بهذا العلم.