Q
أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة
هل هذا القول سليم؟ أم أنه يمس في العقيدة؟
صلى الله عليه وسلم الأخ طالب علم، جزاه الله خيراً ويقصد بهذا شفاعة الصالحين، هل تصح أم لا؟ أقول: قد تحدث العلماء عن الشفاعة وهي جزء من قضايا العقيدة، وقسمها العلماء إلى ثمانية أقسام.
وهذه الشفاعة لا تتم إلا بشرطين: أولاً: الإذن من الشافع وهو الله.
ثانياً: الرضا عن المشفوع وهو الذي يشفع له، قال الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] هذا هو الشرط.
والثانية قال الله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] فإذا أذن الله ورضي عن المشفوع له نفعت الشفاعة، أما إذا لم يوجد أذن ولا رضا فقد قال الله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] فهذا البيت صحيح وينسب إلى الشافعي، يقول: (أحب الصالحين ولست منهم) يقول هذا على باب التواضع، وإلا فـ الشافعي من أعظم الصالحين، الشافعي -رحمه الله- له سيرة عطرة وتراجم لو المقام يسمح لأتيت لكم بشيء كثير منه، شيء يعطر القلوب، شيء عجيب لدرجة أنه أوتي قدرة وحافظة وكان إذا أراد أن يقرأ كلاماً يضع المسطرة على السطر الثاني حتى لا تسبق عينه السطر الثاني فيحفظه قبل الأول، حفظ الموطأ وهو أعقد كتاب من كتب الحديث، إذا قرأته تريد لك تراجم فيه، حفظه من قراءة واحدة، ولما جلس على الإمام مالك قال: حفظته من قراءة واحدة، قال له: إنك امرؤ نور الله قلبك لكن لا تطفئها بظلمة المعاصي.
ولما خرج إلى السوق فرأى عقب امرأة، عندما هبت الريح فكشفت عن رجلها، ورجع يقرأ وإذا به لم يستطيع أن يحفظ، كما كان من قبل، فذهب إلى وكيع بن الجراح يشكي إليه، وقال له: إني لا أحفظ مثلما كنت، قال له: أين ذهبت اليوم؟ قال: إلى السوق، قال: ماذا رأيت؟ قال: رأيت عقب امرأة، قال: هذه هي، ارجع وتب إلى الله، ويقول في أبيات:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتى لعاصي
بعض الناس يقول: أريد أن أقرأ القرآن وأحفظ العلم، وهو طيلة ليله على الأفلام والمسلسلات، من أين يأتيك العلم والقرآن؟ والله لا ينظر لك ولا يمر من عندك، العلم يريد له قلباً منوراً قلباً مفتوحاً لله، أما قلب يعشق الشر ويحب المجون ويريد أن يحفظ القرآن، فلا يمكن أبداً، فيقول الشافعي:
أحب الصالحين ولست منهم وأرجو
هنا أرجو محمولة على أن المرجو هو الله (وأرجو أن أنال بهم) أي: بحبهم وبحب الصالحين وبمجالستي إياهم.
(وأرجو أن أنال بهم شفاعة) عند الله عز وجل.
ثم يقول: (وأكره من بضاعته المعاصي) يقول: الذي عنده بضاعة (معاصي) أكرهه.
(وإن كنا سواءً في البضاعة) يقول: ولو أن بضاعتي مثله، لكنه ليس عنده شيء، فإذا كان عقب امرأة رآه عمل له مشكلة فكيف عنده معاصي؟ فقال له الثاني:
تحب الصالحين وأنت منهم وحب القوم يلحق بالجماعة
وتكره من بضاعته المعاصي يقيناً لست من أهل البضاعة
يقول: ما أنت من أهل بضاعة المعاصي -أثابك الله- وأنا رقعتها ولا أدري هل البيت كذا أم لا.
أكتفي -أيها الإخوة- بما قلت، وأرجو الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بما قلته، ونعدكم إن شاء الله بمحاضرة يوم خمسة وعشرين، وسيعلن عنها، ولكن أعلن عنها من الآن حتى يكون الإنسان على علم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.