القبر هو المحطة الثالثة من محطات رحلة الحياة؛ لأن الإنسان في رحلة وسفر منذ أن يوضع نطفة في الرحم إلى أن تستقر قدمه، إما في الجنة وإما في النار، فهو في رحلة، وهذه الرحلة تتم عبر أربع محطات: المحطة الأولى: عالم البطن والأرحام، ومدة الرحلة تسعة أشهر في الغالب.
المحطة الثانية: عالم الحياة ومدة الرحلة من الستين إلى السبعين وقليل من يجاوز المائة أو يصل إليها.
ثم يرتحل الناس عنها، وهذه المحطات الارتحال عنها إجباري وليس بالاختيار.
فيوم خلقت هل أخذ رأيك؟ لا.
ويوم ولدت هل أخذ رأيك؟ لا.
ويوم تموت هل يؤخذ رأيك؟ لا.
ولو أخذ رأي الشخص فإنه لا يريد أن يموت.
من الذي يريد أن يتنقل من القصر إلى القبر؟ فكل شخص يريد أسرته وزوجته ويريد أولاده وبيته خاصة، ولا يأتي الموت إلا إذا زانه فإذا زانك من كل شيء جاء الموت يخربها من كل شيء:
لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر
...
ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب حفر مسقفة عليهن الجنادل والكثيب فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب كم من حبيب لم تكن عيني لفرقته تطيب
غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب
تغادر أحب الناس إليك وتهيل عليه التراب ثم تنسى، وتدور الأيام دورتها ويأتي الدور عليك وتدخل في الحفرة ويهيل الناس عليك التراب ثم يخرجون وينسونك تخرج إلى الدنيا وأنت تبكي والناس حولك يضحكون فلا يولد مولود من بطن أمه إلا وهو يصيح، لماذا؟ هنا سرٌ فأنت كنت في الضيق فلماذا تصيح إذا خرجت إلى السعة؟ قال العلماء: لأن الشيطان ينزغه في ضلعه الأيسر فيصيح الولد؛ ويقول: (واء) كل طفل يصيح إلا الميت الذي يكون ميتاً في بطن أمه فإنه لا يصيح، ولهذا يعتبر الفقهاء بالنسبة للميراث أنه إذا استهل صارخاً أي: إذا خرج مستهلاً للحياة صارخاً حكم بحياته وحكم بميراثه، وإذا لم يستهل صارخاً فلا يحكم بميراثه وتأتي الرحلة الثانية ويخرج الإنسان وتنتقل المسألة، فالذين يضحكون يوم خرجت هم الآن يبكون، وأنت حين خرجت وأنت تبكي ماذا خرجت تفعل؟ هنا يتحدد مصيرك بحسب عملك، إن كان عملك حسناً تخرج وأنت تضحك، جئت تبكي وهم يضحكون والآن اقلب المسألة، دعهم يبكون وأنت تضحك، ولكن جئت تبكي وهم يضحكون وبعد ذلك هم يبكون وأنت تبكي هذه مصيبة.
ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا