وبعد التراويح يجب أن تنظم وقتك مع بعض إخوانك في الله، فتشكل لك مجموعة من أربعة أو خمسة أو ستة نفر أو ثمانية بقدر الحاجة وبقدر الموجودين وبعد ذلك تقول: نحن نريد أن نحيي ليالي رمضان، كيف برنامج هذه الليلة؟ بعد الوصول إلى صاحب البيت الذي فيه الجلسة أو السمرة يقدم القهوة والشاي ولا بأس بنوع من المشروبات الخفيفة، وبعد ذلك يدار المصحف ويخرج كل شخص منكم مصحفه وتبدءون من سورة: ق، من المفصل، سورة ق تقرأ كلها تلك الليلة، وبعد قراءتها يطلب من الشيخ الفاضل ابن كثير رحمه الله -وهو جالس في المكتبات بستين ريال أو بخمسين ريال- نقول له: يا ابن كثير! نريد أن تعلمنا تفسير هذه الآيات، فيأخذ واحد منه التفسير ويقرأ علينا تفسير ابن كثير لهذه السورة، تستغرق هذه الحصة نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، بعدها هات الماء يا ولد، أو هات حليب، أو شاهي، أو مشروب من أجل ينوعون.
وبعدها درس في الفقه، يؤتى بكتاب الفقه وليكن الروض المربع أو زاد المستقنع أو المغني إذا كانوا من الطلبة الكبار الذين فيهم تبحر في العلم، وتبحث مسائل، ولنبدأ من باب الطهارة، من تقسم المياه، من باب الآنية، كيف نتوضأ؟ كيف نغتسل من الجنابة؟ أحكام الغسل، هذه مجهولة عند كثيرٍ من الناس، حتى عند بعض طلبة العلم لا يعرف كيف يغتسل من الجنابة وكيف يبدأ وكيف ينتهي، نتعلم درساً من الفقه لمدة نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، فإذا انتهينا منه نأخذ درساً في التوحيد، نأخذ كتاب فتح المجيد الذي هو حق الله على العبيد، أو نأخذ كتاب الإيمان للشيخ/ عبد المجيد الزنداني، أو نأخذ من كتب التوحيد التي هي مجموعة كتب الشيخ الدكتور/ عمر سليمان الأشقر، الإيمان بالله والملائكة والبعث والآخرة والكتب والرسل، موجودة هذه الكتب كلها وأظنها بخمسين ريالاً أو ستين ريالاً، أكثر من ثمانية كتب نقرأ في هذه.
بعد ذلك فرغنا منها نقول: هاتوا درساً من السيرة العطرة، فنأخذ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نبدأ بمولده صلى الله عليه وسلم، والليلة الثانية نأخذ كيف بعث، بعد ذلك نأخذ الغزوات؛ لأن السيرة لذيذة وشيقة، وتأخذ فيها أحسن كتاب أدلكم عليه هو سيرة ابن هشام، سيرة ابن هشام رحمه الله أربعة أجزاء في مجلدين تقرءونها، بإذن الله تجدون فيها من العذوبة كأنك في أعظم روضة في ليلتك، انتهيت من درس التوحيد والفقه والحديث والتفسير في نحو الساعة الثانية عشرة، فلا تطل السهر إلى الساعة أربعة أو ثلاثة، لماذا؟ لأن لأهلك عليك حقاً إن كنت متزوجاً، أو لنفسك عليك حقاً إن كنت عزباً لترتاح، أو لدروسك وواجباتك عليك حقاً إن كنت طالباً، فلا بد أن تعطي الحقوق كاملة، أما أن تسمر حتى ييبس رأسك، ثم تملأ بطنك وتنام، ولا تصلي الفجر في المسجد فهذه مصيبة، بل تذهب إلى البيت لتنام مبكراً حتى الساعة ثلاثة أو ثلاثة ونصف ثم تستيقظ، وبعد الاستيقاظ تتوضأ وتصلي ركعتين، بعض الناس يقول: ما هاتان الركعتان، نقول: هذه ركعتان في جوف الليل خيرٌ من الدنيا وما عليها، ليس لها علاقة بالإمساك ولكنها من قيام الليل، وما دام قمت والله عز وجل أقامك إلى السحور فعليك أن تحمد الله على هذه النعمة وتذهب تتوضأ وما هناك كلفة عليك يا أخي.
احمد الله، كان الأولون إذا أرادوا أن يتوضئوا ينزلون من البيت ولا توجد لهم حمامات ويذهب إلى الحوش ويلقى الجوحل (والجوحل إناء فخاري) أو قربة قد صار الماء فيها ثلجاً وتوضأ، وبعد ذلك خرج لأنه لا يوجد حمام في البيت وتوضأ، ورجع والهواء يلفحه ويقطعه، وأرجله حافية وما عنده (فازلين) وليس له حذاء ولا ثياب ويذهب يصلي، لكن أنت الآن في نعمة ليس بعدها نعمة، تستيقظ من نومك وتقوم من غرفتك وتخرج فتجد الحمام، وتجد المغسلة، وتفتح الصنبور فينزل عليك الماء الحار المحمى من الليل من أين ينزل الماء؟ من الجن، كما قد قلت لكم مرة: شخص من أهل تهامة طلع إلى (السراة)، ويوم أن وصل عند صاحب (السراة) فأدخله الحمام ليتوضأ، فيفك الصنبور وإذا به ينزل الماء من الجدر ساخناً، فصرخ، قال: ماذا بك؟ قال: ماء حار من الجدر، فما صدق، لأنه لم يشاهد (طباخة) ولم يشاهد (دافوراً) ولم يشاهد شيئاً، أين (الطباخة) و (الدافور) لا توجد؟ لكنها معلقة في الحمام وتنزل لك ماءً حاراً، تتوضأ وتنشط، ثم تدخل في غرفتك بدون هواء وبدون مشكلة وتفرش سجادتك وتصلي ركعتين لربك، فربما لا يثقل ميزانك عند الله يوم القيامة إلا هاتان الركعتان، ما فيها والله تعب عليك، وبعد ذلك تأتي إلى سحورك وتتناول ما تيسر منه، ثم بعد السحور تذهب إلى المسجد كما قلنا.
هذا هو البرنامج الإيماني الذي نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يقوله ويعمله، أنا لا أدري أطبقه أم لا، لكن ربما تستفيدون مني أكثر من أن أستفيد من نفسي، ولكن أعوذ بالله أن أكون ممن يقولون ما لا يفعلون؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3].
هذا ملخص عن شهر رمضان الذي نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يبلغنا إياه، وأن يتقبله منا، وأن يعيننا وإياكم على صيامه وعلى قيامه إنه ولي ذلك والقادر عليه.