الصنف الثاني: الخاسرون في رمضان

وهم قسم خاسر -والعياذ بالله-، وهم الذين يكرهون رمضان، فإذا جاء رمضان فكأنه ضُرب وجهه بعصا، يقول: أتاك رمضان! فقد ذكر ابن الجوزي قصة لمغفل في كتاب الحمقى والمغفلين، قال: كان له حمار مريض، فلما مرض الحمار وهو يريد أن يشفى بأي وسيلة؛ لأن الحمار كان ثمنه مرتفعاً كالسيارات الآن، فنذر لله أن يصوم سبعة أيام إن شفي الحمار، فشفي الحمار وأصبح يمشي، فوفى بنذره وصام سبعة أيام، فلما انتهت السبعة الأيام مات الحمار، قال: فعلتها بي يا ربي!! والله لأخصمنها من رمضان القادم!! هو أصلاً لم يصم لله وإنما صام للحمار، ويوم أن مات الحمار قال: سوف أخصمها من رمضان القادم.

كيف المسألة؟ حسابات تجارية! فهؤلاء الخاسرون يدخل عليهم رمضان فيضيقون منه ضيقاً لا يعلمه إلا الله، فيعد أيامه ولياليه كأثقل ما تكون، وكل يوم يسأل عن التاريخ ويصيح.

وحكي: أن أعرابياً دخل عليه رمضان، فقيل له: دخل رمضان، فقال: والله لأقطعن شمله بالأسفار.

فسافر لكي يقطع رمضان، وهو لم يعرف أنه سيقضي، قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] وإذا عنده إيمان فهو أصلاً ملزم بالقضاء، فالسفر يجب أن يكون سفر طاعة، أما سفر المعصية فليس بسفر.

فهؤلاء الخاسرون الذين يستثقلون رمضان، وتطول عليهم أيامه ولياليه، وينتظرون وصول ليلة العيد على أحرِّ من الجمر؛ لأنهم حجزوا عن الشهوات والملذات والمحرمات، وخاصة الذي يمارس المحرمات فلا يستطيع أن يمارسها في رمضان، فتجده لا ينتظر إلا انتهاء رمضان؛ لكي يرجع إلى المحرمات التي كان عليها.

ولذلك أثقل على نفسه؛ لأنه لم يعتد الصلاة في المسجد، لكنه عندما تسحر وأذن المؤذن ذهب إلى المسجد وهو كسلان، وكذلك صلاة المغرب، فهو يترقب انتهاء رمضان فيعاهد إبليس على أَنْ لا يدخل المسجد؛ لأنه عبد إبليس، فلا يحب الله ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا خاسر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصعد المنبر: (رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، خاب وخسر، قالوا: من هو يا رسول الله؟! قال: من أدرك رمضان ولم يغفر له) أي: دس أنفه في الرغام، وهو التراب الدقيق الذي يأتي في الطرقات الرملية.

فلا يغفر لمن أدرك رمضان إلا لمن صامه إيماناً واحتساباً وليس تثاقلاً، وإنما إيماناً ويحتسب ثوابه عند الله وليس مهموماً في رمضان.

فهؤلاء هم الخاسرون، نسأل الله أَلا يكثرهم في المسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015