ثم بين الله عز وجل العلة التشريعية من فرضية هذا الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] أي: هذه الفريضة الغرض من فرضها أن تتقوا الله، والعلماء يقولون: إن جميع الشرائع الغرض منها أن يتقي العبد ربه، لكن على وجه الخصوص الصيام؛ لأنه عبادة قلبية لا تظهر لأحدٍ على وجه الأرض، ولا يمكن أن يكتشف ما في قلبك أحد أو يعرف أنت صائم أم مفطر إلا الله، إذ بإمكانك أن تتظاهر للناس، فتتسحر مع أهلك السحور، وتخرج مع الناس صائماً في رمضان، ولكن تستطيع أن تختفي عن أعين الناس وتتناول شيئاً من المفطرات ولكن الله يراك، ولذا الذي لا يتناول شيئاً من المفطرات لا مع الناس ولا مع نفسه يبرهن على أنه يتقي الله، ويدلل على أنه يشعر برقابة الله، ولذا جاء في الحديث القدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فالصوم خالص لله ليس لك؛ لأنك تعبد الله فيه كأنك تراه، فأين تذهب؟ أتدخل في الغرفة لتأكل؟ لكن ربي يراك، ولذا إذا لم تأكل وأنت لوحدك ولا أحد يراك دللت على أنك تراقب الله، وأنك تؤمن بأن الله يراك، وهذه مرتبة المحسنين، وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين: (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا).
والله فرض هذا الصيام لحكمٍ جليلة أعظمها وأهمها كما قلت: أن يتقي العبد ربه وأن يشعر بمخافة الله.