الذكر له خمسة أقسام أذكرها لكم بسرعة: القسم الأول: ذكر الله عند ورود أمره.
إذا ورد عليك أمر الله بالصلاة أو بالصوم أو بالحج، فإنك تذكر الله بتلبية الأمر؛ لأن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] لو أنك نائم في الفراش وسمعت المؤذن ورددت معه، ثم استعذت بالله من الشيطان وقمت تصلي، هذا هو الذكر، أنت ذاكر ذكراً عملياً، لكن لو أن شخصاً ردد مع المؤذن ووضع البطانية تحت رأسه وجلس يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولم يقم يصلي، ما رأيكم في ذكر هذا؟ هذا ذكر كذاب، إنما الذكر ما أقامه إلى الصلاة.
القسم الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه.
أنت تمشي في الشارع ومرت عليك امرأة متبرجة وجميلة، ودعاك الشيطان والهوى إلى النظر، ولكنك ذكرت أن الله ينظر إليك ويراك، فصرفت بصرك، ما الذي جعلك تصرف بصرك؟ ذكر الله، ليس ذكر الله الكلامي، ذكر الله العملي، ذكرت أن الله يراك، فغضضت بصرك، أنت ذاكر لله أعظم ذكر.
القسم الثالث: ذكر الأحوال والمناسبات.
ذكر الصباح والمساء، والأكل والشرب، والنكاح، ودخول المنزل والخروج منه، ولباس الثوب؛ لأن ما من حركةٍ من حركات المسلم ولا سكنة من سكناته إلا وعليها أمر وشرع وهدي من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، كل شيء، إذا أتيت لتنام فهناك ذكر، تقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، ففرق بينك وبين من يأتي ينام، فيضع يده على الراديو ويبحث إلى أن يجد إذاعة فيها أغنية ومن ثم ينام -والعياذ بالله- فتأتي الملائكة ترى هذا الجيفة الذي لا يستحق أنه يحرس فتتركه، فيأتي الشيطان ويسيطر عليه -والعياذ بالله- أما إذا قلت: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، هرب الشيطان وتولى الملك حراستك، حتى يوقظك لصلاة الفجر، فتنام على ذكر الله.
إذا انقلبت من النوم كلما انقلبت من جنب إلى جنب قل: لا إله إلا الله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
في الحديث والحديث صحيح (من تعارَّ من الليل -أي: من انقلب أو انتبه في الليل- فقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثم صلى ودعا الله إلا استجيب له).
ومن ثم إذا استيقظت أول ما تفتح عينك وأنت جالس تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، اللهم ابعثني إلى كل خير، أصبحت على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.
ثم تستعيذ من الشيطان، وتقوم تتوضأ.
قبل أن تدخل الحمام هناك تقدم رجلك الشمال وتقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم.
ومن ثم إذا قضيت حاجتك وخرجت، عندما تخرج تقدم رجلك اليمنى وتقول: باسم الله، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك، ثم تتوضأ فتقول: باسم الله، انتهيت من الوضوء تستقبل القبلة، وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
ومن ثم إذا لبست ثيابك ففيه ذكر، وإذا نظرت إلى المرآة أمامك فيه ذكر.
إذا خرجت من بيتك إلى الخارج تقول: باسم الله، توكلت على الله، آمنت بالله، اعتصمت بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أزل أو أُزل، أو أجهل أو يجهل علي، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي قلبي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعظم لي نوراً.
ما رأيك في هذا الكلام؟ هل ربك يتركك وأنت على هذا الذكر.
تدخل المسجد تقدم رجلك اليمنى، وتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، باسم الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك واغفر لي ذنوبي، ومن ثم تصلي، وتنتهي من الصلاة وتخرج، ومن ثم تلبس ثوبك، وتأكل الطعام، وتأتي زوجتك، تسمع الرياح تهب، ينزل المطر، تأكل من الثمار، كل حياتك فيها ذكر، من أين تتعلمها هذه؟ من كتب العلم، وهناك كتاب أدلكم عليه اسمه: " الوابل الصيب من الكلم الطيب " الذي ليس موجوداً عنده فليشتره ولو من هذه الليلة، ثمنه عشرة ريالات قيمة كيلو عنب، كيلو عنب تأكله، ولكن هذا الكتاب يظل معك إلى أن تموت، وإذا مت تورثه لأهلك، وهذا الذكر الثالث اسمه ذكر الأحوال والمناسبات.
القسم الرابع: الذكر العددي، الذي طلب الشرع من المكلف فعله بعدد معين، مثل حديث رواه البخاري عن ابن عمر قال: قال عليه الصلاة والسلام: (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ كتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذلك، وكان كمن أعتق عشر رقاب، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل قال مثلما قال أو زاد) في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده غفر الله له ذنوبه ولو كانت عدد رمل عالج، أو زبد البحر) وفي صحيح مسلم: (من قال عقب كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) وبعدها يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
هذا هو النوع الرابع، اسمه: الأذكار العددية التي حددها الشرع بعدد معين؛ لأن العدد مقصود ومراد لذاته، فينبغي أن تعده كما تعد الذهب.
القسم الخامس والأخير هو: الذكر المطلق في كل أحوالك.
في طريقك وفي سيارتك وعلى فراشك تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ لأنهن الباقيات الصالحات، يقول فيهن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خير وأحب إليّ مما طلعت على الشمس) هذا قارب وستر ونجاة كبيرة من النار ومن عذاب الله عز وجل ألا وهو ذكر الله عز جل.
فيا من تريد النجاة تمسك واركب في هذه القوارب، اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، ولا تكن كما قال ابن نوح: {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] لأنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، حتى لا يحول الموت بينك وبين قوارب النجاة فتكون من المغرقين الهالكين، هناك تندم وتقول: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29].
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينجينا وإياكم من عذابه، وأن يعيننا وإياكم جمعياً على سلوك هذا الطريق، وركوب هذه القوارب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.