وهذا من أعظم الأشياء، حسن الظن يجب أن يرافقه حسن العمل؛ لأن الذي يحسن الظن ويحسن العمل هو الذي يحسن الظن حقيقة بربه، أما الذي يحسن الظن بالله ويسيء العمل فهذا يسيء الظن بالله؛ لأن من العقل والمنطق أنك إذا أحسنت الظن في إنسان أن تحسن العمل معه، أليس كذلك؟ إذا أحسنت الظن في المدير أنه يرقيك فما الذي يلزمك؟ أن تحسن العمل حتى يرقيك، لكن من يسيء العمل ويحضر متأخراً دائماً، وينصرف مبكراً دائماً، ويغيب غالب أيام الأسبوع، وإذا كلَّ عملاً ضيعه، ثم يحسن الظن بالمدير أن يرقيه، هل هذا من حسن الظن؟ بل هذا من سوء الظن بالمدير؛ تسيء الظن به أنه لا يعرف كيف يجازي الموظفين عنده، ولله المثل الأعلى.
يقول الحسن البصري: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] فإذا رأيت شخصاً يحسن العمل، ويحسن الظن، هذا هو الصادق، أما الذي على المعاصي والمنكرات، وتارك للطاعات، وإذا نصحته، قال: الله غفور رحيم، وأنا أحسن الظن.
نقول: كذاب، أنت ما أحسنت الظن بالله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) ويقول عليه الصلاة والسلام: (حسن الظن من حسن العبادة) {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر:56] فإذا اتقيته وعبدته فأحسن الظن به في أنه لن يضيع عبادتك وعملك.
أما أن تعمل السوء وتحسن الظن به فكأنك تتهم الله عز وجل بأنه لا يعرف كيف يجازي عباده، وطبعاً يأتيك حسن الظن من علمك بسعة رحمة الله، فالله عز وجل رحيم ورحمته وسعت كل شيء.
يروي البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه، يقول: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي -يعني: الذين يؤخذون في الحروب من نساء وأطفال- فإذا امرأة من السبي تبحث عن صبيها -فالحرب فرقت بين المرأة وولدها، ولما جمعوا الغنائم جعلت تبحث عن ولدها- فلما وجدته أخذته بشدة، وألصقته ببطنها وأرضعته) ما ظنكم في تلك اللحظة، وكيف حنانها، وفرحتها، ورحمتها بذلك الولد، وقد يئست منه وضاع منها؟ لقيته ومباشرة ضمته وأعطته ثديها وحنت عليه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لما رآها: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ -يقول: هل هذه المرأة التي هذا وضعها مع ولدها الصغير هل ترميه في النار؟ - قالوا: لا والله -الصحابة قالوا: والله ما تطرحه وهي تقدر على منعه- قال عليه الصلاة والسلام: لله أرحم بعباده من هذه بولدها) اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة.
لله مائة رحمة؛ تسعة وتسعون ليوم القيامة، وواحدة أنزلها إلى الأرض بها تتراحم جميع المخلوقات، جميع الرحمات الموجودة في قلوب الناس كلهم وفي قلوب الحشرات والحيوانات والبهائم كلها هذه جزء من الرحمة التي هي جزء من مائة رحمة من رحمة الله عز وجل، وعند الله يوم القيامة تسعة وتسعون رحمة، نسأل الله أن يدخلنا في رحمته الواسعة.
يقول الحسن البصري: [ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحن نحسن الظن بالله.
كذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل].