إن هذا الانحراف يهبط به وينزله من المستوى الإنساني، ويحول بينه وبين التطهر والترقي والتسامي فيسقط ويقل قدره عند الله، وينحط إلى الدرك الذي يعوقه عن النهوض بتبعات هذا الدين، فيألف المعاصي، وتثقل عليه الطاعات، وحين يصل الإنسان إلى هذه الدرجة لا يكون له رسالة في الكون، ولا هدف ولا مثل، وإنما تتجه جميع قدراته وإمكاناته لإشباع غرائزه، وإيثار مصالحه، والتنكر للمصالح الأخرى، فيصبح شخصاً أنانياً فقط.
همه أن يدور كل شيء في فلكه هو، ويوم أن تخلو الحياة من الضمائر الحية والأفراد الصالحين تتحول الحياة إلى صراع، وحلبة لا يكون فيها إلا شبه صراع الحيوانات المفترسة، وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] لماذا؟ لأنهم نزلوا من المستوى الإيماني عن الرقي الديني إلى المستوى البهيمي، وعاشوا كما تعيش البهائم.
هنالك لا تكون لهم قيمة إلا بالعودة إلى الله والتمسك بحبله، يقول الله عز وجل: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:43 - 44] ذكرك، شأنك، علوك، منزلتك، كيانك، وجودك كله أين؟ في كتاب الله: {وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ} بغير القرآن لا ذكر لك، بغير الدين لا معنى لوجودك، بغير الإيمان لا قيمة لك، من أنت؟ أنت ذرة من ذرات هذا الكون، أنت حشرة من الحشرات التائهة فيه، لكن بالإيمان أنت أكبر وأعظم من فيه.
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
لكن متى؟ يوم أن تستمسك، ولكن كيف؟ لا بد من الشعور، والإنسان ينزل لا بد أن يستشعر ذلك في نفسه، وأن هناك صارخ وداعية يدعوه يقول: لا تستجب لهذا النزول، ارجع ولا تقنط من رحمة الله؛ لأن الشيطان يقول: انتهى الأمر، أنت لا تعمل، أنت نازل فلا تصعد، ما لك والتعب فلن يغفر الله لك؟ ويضخم الشيطان خطاياك، ويكبر سيئاتك، ويقول: أنت مجرم مسيء، حتى يحول بينك وبين الرقي مرة ثانية وهذا وحي إبليسي.
أما الوحي الإيماني فإنه يهتف بك ويقول لك: أنت إنسان
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب