أيها الإخوة المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر، وفي هذه الليلة المباركة أن يجمعنا في جنات النعيم وآباءنا وأمهاتنا وأخواتنا وذرياتنا وأزواجنا وجميع المسلمين، إنه غفور رحيم، إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين.
الزواج آية من آيات الله، ونعمة من نعم الله، جعله الله آية في معرض الاستدلال على عظمته، فاستشهد الله عز وجل على أن من آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف الألسن والألوان، ثم قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21] ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى إذ أن الإنسان لا يشعر بالسكن ولا بالاطمئنان ولا بالراحة إلا إذا حصل له هذا الأمر، ولهذا قال: {لِتَسْكُنُوا} [الروم:21] كأن الإنسان في قلق، وكأن الإنسان غير مرتاح، فإذا تزوج سكن {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] حث عليه الشرع، وأتى به لتحقيق هذا الأمر حتى تهدأ أرواحهم وتسكن قلوبهم.
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للطرف، وأحصن للفرج) هنا أغض من أفعل التفضيل، وأحصن أيضاً أفعل التفضيل، أعظم ما يمكن أن تغض به طرفك، وأن تحصن به فرجك هو الزواج: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) هكذا يقول معلم البشرية وطبيب الإنسانية صلوات الله وسلامه عليه، وهو يوجه الأمة إلى الدواء العملي الناجع، إذا لم يتمكن الإنسان من الزواج.
وذكره الله عز وجل في معرض الامتنان على الأنبياء والرسل، قال: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أبرك هذه الأمة أكثرهم زواجاً، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الزواج، وكذلك هدي الأنبياء قبله، وهدي السلف من بعده، وبعض أهل العلم يوجبه على من يخشى على نفسه الفتنة، وبعضهم يجعله في مرتبة الاستحباب، ولم يرد أن أحداً رغب في تركه، أو حبذ التفرغ للدين والدعوة وتركه، فهو من الدين ومن الدعوة، بل إن أكثر ما يعينك على دينك، وعلى دعوتك إلى الله، وعلى الجهاد في سبيل الله الزوجة الصالحة؛ لأن فكرك ينحصر واهتماماتك كلها تتركز، وتبقى حاضر الذهن، حاضر الفكر، محصوراً في أعمال، لكن حينما لا تكون متزوجاً تتشتت بك الأفكار، وتذهب بك الهواجس، ويحصل للإنسان تعبٌ قد لا يتحقق معه نفعٌ في دينه ولا في دنياه.