أيها الإخوة: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، والمحافظة على طاعة الله، وإن من أعظم طاعة الله هذه الحلقات المباركة التي يسعى إليها إخوانكم وأبناؤكم -بارك الله فيهم- في هذه القرى، هم لكم والله نور -يا إخواني! - وبعض القرى ليس فيها شخص داعية، بل بعض القرى نشأ منها نشء -والعياذ بالله- جروا على أهلهم الضلال والفساد، ولكن الله نور قلوبكم بأبنائكم وجعل فيكم من يدعوكم إلى الخير، وإلا كان بإمكانهم أن يذهبوا ويستمعوا الندوات في أبها، ويحضرون مجالس العلم وأهل القرى يرفضون المجيء، لكنهم يحبونكم ويعطفون عليكم ويقولون: نريد ندوة في كل مكان وفي كل قرية، والله إنها نعمة -يا إخواني- إن العلم يدعوكم ولا تأتون له، فلا بد من الحرص على هذه الندوة والمحافظة عليها، وأن يكون هذا موعداً رسمياً، أي: لا يمكن أن أتخلف عنه، وإن عزمت، قلت: لا والله أنا معزوم، أين؟! عند رب العزة والجلال على مائدة الله عز وجل، لكن بعضهم يعزم على أرز ولحم ويترك مائدة الله التي فيها قال الله وقال رسوله، وتلك عنده أحسن من هذه، وهو محتاج لكنه خسران، والعياذ بالله! نسأل الله أن يحفظنا وإياكم.
وأوصيكم بالمحافظة على هذه الندوة وتشجيعها ولمَّ أبناءكم حولها.
لقد كان في هذه الديار المباركة في الماضي ندوات وليست ليلة في الأسبوع، لا.
فقد كان آباؤكم يجلسون من المغرب إلى العشاء كل ليلة ولهم درس دين، ولا يتأخر أحد، وأين كان يذهب أحدهم في الصباح؟ كان من الصباح إلى المغرب وهو فلاح يرعى أو يعمل أو يحطب، لا يصل بيته إلا وهو تعبان جداً، لكنه يحب الله ورسوله؛ ولذلك فإنه يأتي يذكر الله عز وجل، وبعد العشاء أين يذهب؟ يذهب البيت فلا يوجد سراج ولا طعام ولا نار ولا دفئ ولا فراش، وينظر إلى امرأته، فلعل امرأته مريضة وينظر إلى ولده فإذا هو مريض، لكن لا -يا أخي- اليوم تنام طوال يومك، وأنت نائم يوم الجمعة، هل عمل أحد منا اليوم في الزروع؟! هل نجمع الحجارة والصخور اليوم؟! لا.
وينظر كل واحد منا إلى خيراته، وهو في نعمة عظيمة حتى يأتي المغرب.
-يا أخي- اقعد من المغرب إلى العشاء في ذكر الله، اذكر الله الذي لا إله إلا هو على هذه النعمة، ثم بعد العشاء سوف ترجع وتدخل بيتك وهو مضيء، كان الأولون ليس معهم نور ونورهم سراج إما لمبة أو فانوس أو عود ضوح يضوحون به حتى يحين وقت العشاء ثم يرمونه، لكنك أنت تدخل تلمس الجدار فإذا هوا يسرج كالشمس الشارقة، وإذا أردت أن تغتسل تذهب تحمي الماء بل تفتح الصنبور والحنفية فإذا به يصب لك ماءً حاراً، وهذا أمر لم يعرفه آباؤنا وأجدادنا السابقون.
والآن تتوضأ في الليل أو تغتسل ولا تحمي ولا تبرد، وبعدها غسلت ودخلت على زوجتك فإذا بها تنعم بالصحة؛ لأن الأولين كانوا يمرضون ولا يوجد مستشفيات، كان الشخص منهم يمرض ويظل يتعافى دون أن يجد العلاج، أو يسافرون به، أما الآن ولو كان صداعاً، قال: أعطوه (إسبرين) أو (بندول)، قالوا: صحة، أي: لم يبق مرض الآن في قريتكم هذه من طرفها إلى طرفها، لو فتشناها بيتاً بيتاً لا يوجد مريضاً -والحمد لله- وكان الناس سابقاً، وما من بيت إلا وفيه مريض ومعلول، لكنك تدخل غرفتك تريد أن تنام وإذا بأولادك -ما شاء الله- كلهم ينعمون بالصحة، وبعدها تفتح زوجتك الطعام وتأتيك بالسفرة والخيرات.
فهل أنت أولى بالجلسة مرة في الأسبوع؟! أم ذاك الذي يجلس كل يوم من بعد المغرب إلى العشاء على كتاب الله، وعلى ماذا يقرأ، هل على الكهرباء؟! لا، يقرأ على لمبة، وبعدها كانت المصاحف في ذلك الزمان ليست مثل مصاحفنا هذه -ما شاء الله- الحروف واضحة، وإنما كانت مصاحف مكتوبة بخط اليد وممزقة ولكن قلوبهم كانت معلقة بالله تبارك وتعالى.
فنحن -يا إخواني- كل شيء أقامه الله علينا حجة، ولكن ينبغي علينا أن نحرص، وأنا أعتقد -إن شاء الله- أنكم لو حافظتم على هذه الندوة باستمرار كل جمعه واخترتم في كل جمعة موضوعاً علمياً، نريدها مواعظ عائمة، يبدأ الإخوة بدروس منهجية؛ يبدءون في العقيدة، ثم العبادة، ثم في السلوك والمعاملات، فإن الله ينور بصائركم ويربي أبناءكم على الخير؛ لأن أولادكم إذا دخلوا وسمعوا الدين حفتهم الملائكة، فالعلم في المساجد، علم المدارس والكليات والجامعات علم لكنه ليس فيه بركة؛ لأنه علم من أجل الشهادة، ولهذا الطالب يخرج من صالة الامتحان، وقد نسى ما حفظه، لكن العلم المبارك هو علم المساجد؛ لأنها مساجد وأماكن النور، والملائكة تحفكم، والله عز وجل يذكركم فيمن عنده، ويباهي بكم في الملأ الأعلى.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا فيكم شقياً ولا محروماً، وأن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه المعترفين بها لله تبارك وتعالى، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء في الدنيا والآخرة، إنه على كل شيء قدير، والله أعلم.