ويقول عز وجل: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج:19] أي: جنس الإنسان فيه هذه الصفة هلوع {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:20 - 23] لا يصلي واحدة فقط وبعدها ينفلت من المسجد أو يصلي المغرب من أجل أنه آتٍ من التمشية، ويصلي الظهر؛ لأنه في الدوام، لكن العصر لا تنظره في المسجد، أين هو؟ قالوا: راقد، لماذا؟ قالوا: جاء من الدوام وهو تعبان، فتغدى ثم رقد ولم يصلِّ إلا الساعة (الخامسة) أو أكثر، وقام قبل غروب الشمس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق يقعد يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان -يعني قد بدأت بالغياب هناك- قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا) ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (من فاتته صلاة العصر حبط عمله) والحديث في صحيح البخاري وقال عليه الصلاة والسلام: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر في أهله وماله ونفسه) وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] الوسطى هي: العصر بإجماع أهل العلم؛ لأنها وسط بين صلاتين في النهار وصلاتين في الليل؛ فصلاتا النهار: الفجر والظهر، وصلاتا الليل: المغرب والعشاء، والعصر بينها فهي الصلاة الوسطى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] وفي الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (من صلى البردين دخل الجنة) فالعصر فيها برد النهار والفجر فيها برد الليل.
فأكثر الناس لا يصلي الفجر ولا يصلي العصر، وربما يصلي المغرب والعشاء لكن الفجر تجد المسجد الذي فيه صفان ترى فيه (نصف صف) والبقية أين هم؟ كيف يعبدون الله في المغرب ويعصونه في الفجر؟ فهل الصلاة على مرادهم، أم على مراد الله؟! كيف تطيع الله في صلاة وتضيع الصلاة الثانية؟! لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوا، ولو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً حسناً أو مرماتين حسنتين) المرماتان أي: الضلعين، تلك الأيام أيام الفقر لو يدرون أن هناك لحماً يقسم ويعطى لكل واحد والله لا يتخلف عن الصلاة أحداً (لحضر الصلاة).
يقول عليه الصلاة والسلام: (فرق ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يشهدون الفجر) وهذا الحديث أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم وجعله مقياساً نقيس به الإيمان في صدورنا، لا تسأل هل أنت مؤمن، أم منافق؟ ولكن اسأل نفسك عن الفجر، فإن كنت من أهلها باستمرار فاعلم والله أنك مؤمن، وأن هذه من علامة الإيمان، وإن كنت لا تصلي الفجر ولو حافظت على الصلوات كلها لكنك لم تصل الفجر فاعلم أن هذه علامة النفاق، كما في الحديث: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا).
والله لو صدر أمر من المسئولين وقالوا فيه: إننا لاحظنا أن الناس تأخروا عن صلاة الفجر، ومن أجل ذلك قررنا صرف مكافأة تشجيعية من أجل حث الناس ودفعهم إلى أداء صلاة الفجر، وقد صدر الأمر بتخصيص عشرة ريالات لكل مصل في المسجد، هل سينام أحد عن صلاة الفجر؟! عشرة ريالات للكبير، وعشرة ريالات للولد، ومثلها للمرأة، وللبنت، والله لن تسعهم مساجدهم، وسوف يبنون مع هذا المسجد مسجداً ويجعلون فيه جزءاً للنساء، ولن يتأخر شخص، ولو أن شخصاً تأخر سيلوم نفسه ويعض أصابعه؛ لأن البيت إذا فيه ستة أشخاص وصلوا وأعطوا ستين ريالاً تأتي بها مقاضي ذاك اليوم كله، وتوفر الراتب.
ولو قام يصلي ورجع إلى البيت وولده ما زال نائماً وقد أقامه هل سيسكت؟ بل سوف يأخذ العصا ويضربه ويقول: يا قليل الخير، ليس فيك رجولة، الناس كلهم بالخارج يصلون في المسجد، والله إن ولد فلان وولد فلان وولد فلان كلهم يصلون إلا أنت يا قليل الخير لا تصلي، إلى الآن وأنت نائم؟!! لكنه يقوم يصلي ويمد البطانية على ولده، ويقول: إنه مسكين كان سهران بالأمس وكان يقرأ الكتب، فإذا جاء وقت المدرسة ضربه وأقامه، ولا يقيمه للصلاة، وإذا قيل له: أقمه، قال: أخاف أن أنفره وأعقده من الصلاة، لماذا لا تعقده من المدرسة؟ لكن الصلاة تجعله نائماً، لماذا؟ لأنه ليس في قلبك خوف من الله، ولا حرص على طاعة الله؛ لأن الصلاة هانت عليك، ولهذا تقوم بها كيفما كان، أما ولدك فلا يشغلك أمره، وأما الدنيا لما حلَّت في قلبك أهمك أمر ولدك فيها، ولو تأخر عن المدرسة يوماً واحداً لضربته وعاقبته.
يقول الله في الصلاة: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:22 - 23] دائمون، ثم ذكر الصفات كلها وقال في آخر الآيات: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ * فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ * فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:34 - 43] الأجداث أي: القبور، سراعاً: هاربين إلى الله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:44] ذلة: ذلة الكفر والمعاصي والذنوب.
فيا إخواني في الله! الصلاةُ الصلاة، الصلاة عماد الدين، وإنه والله من حفظها حفظه الله وحفظ له كل خير في الدنيا والآخرة، ومن ضيعها فوالله إنه لما سواها أضيع.
وقد ورد في بعض الآثار: [أن تارك الصلاة يموت نصرانياً ويبعث يهودياً، وأنه تنزل عليه في كل ساعةٍ ألف ألف لعنة وألف ألف سخط، وأنه إذا رفع اللقمة إلى فمه قالت له اللقمة: لعنك الله يا عدو الله تأكل من رزق الله ولا تؤدي حق الله.
وأنه إذا خرج من البيت قال له البيت: لا ردك الله من سفرك، ولا خلفك في أثرك، وأن الأرض التي يمشي عليها تلعنه، وأن كل شيء في السماء والأرض يلعنه] فالله قد لعنه؛ لأنه قد قطع الصلة بينه وبين الله عز وجل.