هل هناك وسائل وأسباب تقوي هذه البصيرة وتجعلها نافذة وقوية؟ نعم.
روى البخاري في الصحيح حديثاً قدسياً يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، والحديث القدسي هو الذي لفظه ومعناه من الله مثل القرآن غير أنه لا يتعبد به في الصلاة، ولكن تقرأ في الصلاة بالقرآن وهو: الكلام الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لفظه ومعناه، ومتعبد به في الصلاة، والحديث القدسي هو الذي أوحي به من الله إلى النبي لفظاً ومعنىً وغير متعبد به في الصلاة، والحديث النبوي الشريف هو الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم معناه دون لفظه، المعنى من الله واللفظ من محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث القدسي في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) وفي بعض الروايات: (من عادى) من بدأ العداوة والأذى لأولياء الله فقد آذن الله بمحاربته وأعلن الله عليه الحرب، ومن أعلن الله حربه فهو مهزوم؛ فمن يقدر على الله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21].
النمرود كان يدعي أنه الإله، ولما دعاه إبراهيم إلى عبادة الله وحده كفر وقال: إنه هو الرب ولا يعرف أنه يوجد رب غيره للناس، وبعد ذلك طلب من إبراهيم أن يبارز الله، قال: هذا الذي تدعي أنه إلهك يا إبراهيم، أريد أن يبرز لي في الميدان، أريد أن أقاتله، فإن غلبني فهو الرب وإن غلبته فأنا الرب؛ فالله عز وجل أرسل له جندياً من أصغر الجنود وأضعفها، يقول الله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4] هذا الجندي هو بعوضة أرسلها الله للنمرود؛ لأنه أضعف من البعوضة لا يستحق أن يرسل له أسداً أو نمراً أو ثعباناً، البعوضة تسلبه وتمتص دمه ولا يمتنع منها، وبينما كان نائماً في الليل يشخر كالثور دخلت البعوضة من أنفه واستقرت في رأسه، وتربت على دماغه، وكانت تنتفض بجناحها، فإذا انتفضت أحس في رأسه مثل الصواعق دوار وصداع وحركة غريبة في رأسه، فلا تسكن إلا إذا ضرب وجهه بالنعال، وإذا وقف الضرب حركت أجنحتها فيقول: اضرب اضرب، فضرب النعل أخف من حركة البعوضة في رأسه حتى تقطع وجهه، أصبح وجهه تسيل منه الدماء من كثرة الضرب، حتى تقيحت وتقرحت وبدت عظام وجهه، وأخيراً لم يجد فرصة للحياة، لم يتحمل أبداً، إن ضرب تألم، وإن لم يضرب تألم من الداخل ما هو الحل؟ الحل: الموت، دخل عليه عبد من عبيده وفي يده سيف، قال: يا عبدي! قال: نعم.
قال: اضرب هامتي -يقول: اضرب رأسي- فسل العبد السيف وفلق رأسه، فنزل السيف على رأسه ونزل على جناح البعوضة فقصه فاشتكت إلى الله، وقالت: يا رب! دخلت في عدوك بأمرك لأعذبه؛ لأنه عدوك، ولكن سلطت عليَّ من قطع جناحي، فقال الله لها: أتريدين جناحك، أم تريدين دية؟ قالت: كم الدية؟ قال: الدية الدنيا منذ خلقتها حتى أفنيها -قصورها وعماراتها وبنوكها ومزارعها وسياراتها وكل ما فيها- ففكرت قالت: ماذا أفعل بالدنيا، وأنا مكسورة الجناح لا أطير؟ فقالت: لا يا رب! أريد جناحي من أجل أن أطير، فأعطاها الله جناحها، ولذا قال في الحديث: (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة.
والجندي الآن الجديد الموجود في العالم اسمه: الإيدز، وهو يهدد أمريكا وأوروبا والعالم كله، أين كان الإيدز، والإنسان موجود منذ القدم ولم يعرفه إلا هذه السنة؟ سلطه الله عليهم لما عتوا عن أمر الله، ولما شاعت فيهم الجريمة والفاحشة، وأصبح الجنس عندهم إلى أرذل درجة من درجات الحيوانية، يعني: الحياة الجنسية عندهم لا تطاق أبداً، وتمارس بشكل بهيمي يستحي منه الحمار والحيوان، فماذا سلط الله عليهم؟ سلط الله عليهم الإيدز، الإيدز فيروس يدخل في الجسم ويسير مع الدم، ويقتل الكريات البيضاء ويقضي على المناعة.
الكريات البيضاء تشكل جيشاً داخلياً لمحاربة الأجسام الغريبة، وهي التي تحفظ للجسم مناعته وقوته ضد أي مرض، فإذا ماتت هذه الكريات يصبح الجسم لا يستطيع أن يقاوم أي مرض، وبالتالي أقل زكام يقتله، أقل جرثومة تقتله، والعالم إلى الآن لم يستطع أن يجد لهذا المرض علاجاً.
من يستطيع أن يحارب الله؟ {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:7] أرسل الله عز وجل على قوم عاد الريح، أتدرون كم فتح عليهم؟ قدر حلقة الخاتم فكانت تحملهم إلى السماء ثم تلقيهم {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:7 - 8].
سلط الله عز وجل على قوم فرعون الغرق، وسلط الله عز وجل على قوم لوط الهدم بحيث حمل قريتهم ثم قلبها عليهم، وعلى ثمود الصيحة، وكل أمة يسلط الله عليها عذاباً، والله قادر أن يسلط على الكفار عذاباً لا يعرفه الناس، ولكن الله يقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:182 - 183] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} [فاطر:45].
(من عادى لي ولياً -من آذى لي ولياً- فقد آذنته بالحرب) فقد أعلنت عليه الحرب، انتبه يا أخي في الله! لا تعادي أولياء الله، لا تؤذ عباد الله، من هم أولياء الله؟ بعض الناس يتصور أن الأولياء هم الذين في القبور وعليهم قباب ويطاف حول قبورهم، لا.
هؤلاء أولياء -إن شاء الله- إن كانوا صالحين، وكل مؤمن بالله فهو ولي لله؛ لأن الله يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] فكل مؤمن يتقي الله فهو ولي من أولياء الله؛ لا تؤذه في ماله، ولا تؤذه في نفسه، ولا تؤذه في عرضه، ولا تؤذه بأي أذى، حتى لو دخلت المسجد تتوضأ في دورة المياه وشخص في الحمام لا تطرق عليه الباب؛ لأن هذا إيذاء له، هل هناك أحد في الدنيا يقعد في الحمام باختياره؟ لا.
الإنسان يدخل الحمام مضطراً من أجل أن يقضي حاجته، وهو يود أن يخرج في أول فرصة، لكن أحياناً ينتظر، يكون عنده حاجة أكبر يقضيها، فإذا أتيت تطرق عليه الباب ألست تؤذيه؟ الإيذاء لا يجوز.
لا تؤذه بدعائه بغير اسمه، كأن تقول: يا طويل! يا قصير! يا متين! يا ضعيف! يا أسود! يا فلان أنت يا علان، لا.
بل ناده باسمه، بل بكنيته فإذا كان اسمه محمداً وله ولد اسمه عبد الله تقول: يا أبا عبد الله! وإذا كان اسم ولده خالد فتناده: يا أبا خالد! لماذا؟ لأن الكنى محببة إلى النفس والعرب تحبها، إذا ناديتني بابني أفضل من أن تناديني باسمي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى بأبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه، فلا تؤذ عبد الله بالنظر إلى بيته، إذا رأيت أهله معه وأنت ماشٍ في الطريق فلا تنظر إلى زوجته، بل ابتعد عنه، لا تؤذه في ماله، (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) لماذا لا تؤذيه؟ خوفاً من الله حتى لا يحاربك الله؛ لأن الله لو حاربك قصمك.