يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44].
يمر على الصراط فيسقط، تهبط قدمه الأولى والثانية في سواء النار والعياذ بالله، يأتي إلى مظلة الرحمن فيطرد؛ لأنه ما استظل بظل الله ولا بظل شريعة الله، يأتي إلى الحوض ليشرب فيذاد؛ لأنه لم يشرب من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كان مشربه مشرباً غير شرعي، يأتي ليوزن فيخف ميزانه؛ لأنه رخيص تافه ليس معه عمل، ليس عنده إلا الأغاني والمسلسلات (والأفلام)، ما لديه إلا أمواس يحلق بها لحيته ليل نهار، لماذا؟ لأنه تافه لا قيمة له عند الله عز وجل، وبعد ذلك يُعطى كتابه بشماله (الشهادة حقه) يرى الناس يأخذون كتبهم بأيمانهم فيقدم يمينه فتضربه الملائكة على كتفه فتطيح يمينه، فيأخذ الكتاب بالشمال فإذا رأى الكتاب وإذا بعمله كله من يوم أن خلقه الله إلى أن مات وهو مسجل، قال الله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:13 - 14] أنت الذي أنت عبأته، أنت الذي عبأته بالمنكرات والمعاصي: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29].
فإذا رأى كتابه قال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] يقول: ليتني ما رأيت هذه الشهادة: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:26 - 29].
يقول الله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32].
سلسلة من سلاسل النار، ذرعها سبعون ذراعاً بذراع أهل النار يسلك فيها، تُدخل من فمه وتخرج من دبره ليشوى في النار كما تشوى الدجاجة في المقلاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولماذا؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33].
فيا إخوتي في الله! من كان مستقيماً وملتزماً بمنهج الله؛ فليحمد الله وليطلب من الله الثبات حتى يلقى الله، ومن كان مقصراً وكلنا ذاك الرجل؛ كلنا مقصرون، فلنتب إلى الله عز وجل.
فليتب الإنسان منا ولا يؤجل، فالتأجيل ليس من مصلحتنا، لا تقل: أتوب بعد ذلك، بعد ذلك ما تملكها أنت، قد تقول: أتوب بعد ذلك وتموت اليوم، أو تموت بعد شهر أو بعد سنة، خطر كبير أن تجازف بمصيرك، وأن تخاطر به ولا تتوب، الأفضل والخيار الأمثل أن تتوب الآن، لأنك إذا تبت وفاجأك القضاء والقدر وإذا بك سلمت.
وإذا تبت ومد الله في أجلك وإذا بك كل يوم ترتفع درجة عند الله، لكن إذا أخَّرت التوبة وأجلت الرجعة إلى الله، ومت ولقيت الله وهو عليك ساخط كيف تصنع؟! كيف ترقعها مع الله؟! وإن لم تمت مد الله في عمرك، وأنت عاص فإنك كل يوم تزداد إثماً، لو مت اليوم أحسن من أن تموت غداً؛ لأنك تسلم من المعاصي.
أجل الأفضل لك أن تتوب الآن، وسوف تجد رباً كريماً يغفر الذنب العظيم، ويقول: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] لا تقل: أنا كثير المعاصي، أنا فعلت وفعلت، مهما عملت من ذنوب فإن رحمة الله أوسع من ذنوبك، بل إن الله عز وجل لا يغفر الذنب فقط، ولكن يغفر الذنب ويبدل الذنب كله حسنات، قال الله: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70].
فيا إخوتي في الله! لابد من الرجعة إلى الله والعودة إليه، لأننا سنموت، لو كنَّا لن نموت كان من حقنا أن نعصيه، وما دام الإنسان على يقين أنه سيموت، ولن يستطيع أن يفلت من قبضة الله، فإن الأفضل في حقه أن يتوب إذا أراد النجاة في الدنيا والآخرة.
ألا وصلوا على خير خلق الله، محمد بن عبد الله فقد أمركم بذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعنا معهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.