حقيقة ظهور أمارات العذاب على الميت

قال الإمام ابن تيمية في مكان آخر في المجلد الخامس وهو يريد أن يدلل على إمكانية رؤية الناس لعذاب القبر ولو لم يكونوا أنبياء ولا رسلاً، يقول: إذا علم وعرف أن النائم يكون نائماً وتقعد روحه وتقوم وتمشي وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالاً وأموراً بباطن بدنه مع روحه ويحصل لبدنه ولروحه نعيمٌ أو عذاب مع أن جسده مضطجع وعينيه مغمضتان وفمه مطبق وأعضاؤه ساكنة، وقد يتحرك لقوة الحركة الداخلية في روحه وقد يقوم ويمشي -بعض النائمين يقوم ويمشي ويذهب يفتح الباب ويفعل حركات وهو لا يدري؛ لأن روحه في حلم فتستعمل جسده، فتجده يمد يديه، وما الذي يمده وهو نائم؟ قوة الحركة الداخلية لروحه أثرت حتى على حركات ظاهره- فيصيح وربما يتكلم لقوة الأمر الباطني في روحه، فكان هذا مما يعتبر به في أمر الميت في قبره، فإن روح الميت تقعد وتسأل وتنعم أو تعذب وتصيح وذلك متصلٌ ببدنه مع كونه مضطجعاً في قبره وقد يقوى ذلك حتى يظهر ذلك في بدنه وقد يرى خارجاً من قبره، وقد رئي كثير من الأموات استطاع أن يخرج من قبره وأوصى بوصايا ورجع ودخل في قبره، وقد يرى خارجاً من قبره والعذاب مشتعل به، وملائكة العذاب توثقه فيتحرك بدنه ويمشي ويخرج من قبره، وقد سمع غير واحدٍ أصوات المعذبين في قبورهم، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب ومن يقعد بدنه أيضاً إذا قوي الأمر، لكن ليس هذا لازماً في حق كل ميت كما أن قعود بدن النائم لمن يراه ليس لازماً في كل نائم، يعني: ليس كل ميت يعذب، يراه الناس، كما أنه ليس كل نائم يرى رؤيا نعيم أو عذاب، يسمعه الناس، إنما يكون ذلك بقوة التأثير.

وقد ذكر الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في كتابه الدلائل الواضحات في تحريم المسكرات والمفترات كثيراً من القصص الثابتة عنده بسندها القوي، حتى أنه شوهد وحتى أصبح كالمتواتر أن كثيراً ممن يموت وهو مدمن للدخان تلف رقبته ويُلْفَتُ وجهه عن القبلة إلى الخلف، وبينما هم يردونه ترى رأسه يُلْفَتُ عن القبلة ثانية، وذكر قصصاً كثيرة جداً من هذا الجانب ممن يعرف، وأذكر أنه حدثنا أحد الإخوة وهو الشيخ أحمد بن سامر رحمة الله تعالى عليه، وهو من الدعاة إلى الله وقد توفي في حادث مروري في خميس مشيط غفر الله له وأسكنه فسيح جناته، يحدثنا هو بنفسه يقول: حضرت جنازة رجل في تهامة يقول: فلما وضعناه في القبر وكان من المصلين، لكنه كان مبتلى بالدخان وبالشمة، يقول: فمنذ أن وضعناه في القبر كشفنا عن وجهه وإذا برأسه يلتف مستدبراً القبلة، يقول: فأرجعته فلما أطلقته عاد كما كان، ثم أرجعته فالتف، يقول: فما استطعت أن أفعل شيئاً، فتركناه والعياذ بالله على هذا الوضع.

وذكر الشيخ التويجري قصة ثبتت عنده، وحصلت في نجد يقول: إن مجموعة ممن كانوا مستعملين على أمر الزكاة، أي: استعملهم ولي الأمر للذهاب والتطواف على البادية من أجل أن يأخذوا زكاة المواشي، يقول: وفي طريقهم حصل لواحد منهم مرض وتوفي وكان هذا المسكين المتوفى مبتلى بالدخان ولكنه لم يكن يشرب مع الجماعة؛ لأنهم كانوا ينكرونه، وقد كان في الماضي أكبر منكر في نجد فلا أحد كان يستطيع أن يشرب الدخان، فهذا الرجل كان يستخفي به ولكن بعضهم كان يعلم أنه يدخن، رغم أنه لم يكن يعلن بالدخان أمامهم، فلما توفي أرادوا أن يدفنوه، ولكن لم يكن معهم ما يحفرون به إلا عصيهم فجاءوا إلى رجلٍ من البادية وقالوا: توفي أخونا وليس عندنا شيء نحفر به، فنريد منك أن تعطينا معولاً أو فأساً نحفر به ونرجعه، قال لهم: أنا ما عندي إلا فأسي وهذا الفأس غالٍ جداً فأنا أقطع به حطبي وأعلف به لإبلي، وأنا أخاف أن أعطيكم إياه فتضيعونه عليَّ وأنا لست في المدينة لأذهب وأشتري بدله، قالوا: لن نضيعه أبداً، قال: أريد أن تعطوني رهناً، فرهنوا عنده بندقية، قال: إن بندقيتكم هذه لن تقطع لي حطبي ولن تنفعني، فقط أريدها رهناً لكي تعيدوا لي الفأس، قالوا: أبشر، فذهبوا وحفروا القبر تحت حجر ولما جاءوا إلى اللحد أرادوا أن يلحدوا فما استطاعوا أن يلحدوا والفأس في العصا، فنزعوا العصا من الفأس وبدءوا يحفرون بالفأس بدون عصا حتى انتهوا من القبر، فلما انتهوا -والإنسان بطبعه إذا انتهت حاجته إلى شيء نسيه، مثلك الآن إذا حصل لسيارتك مشكلة؛ تأخذ المفك لتصلحها فإذا زالت نسيت المفك؛ لأنك كنت تهتم بالمفك حين كنت محتاجاً إليه، لكن لما انتهت حاجتك نسيته، فهؤلاء لما انتهت حاجتهم نسوا الفأس في القبر ودفنوا صاحبهم- ولما وقفوا وإذا بالعصا ما فيها فأس، فقالوا لبعضهم: ماذا نصنع؟ قال بعضهم: نفتح القبر ونخرجه فالبدوي لا يريد إلا فأسه، قال بعضهم: الفأس قيمته عشرة ريالات فلماذا نفتح على أخينا في قبره وهو مستور فيه الآن ولا ندري ماذا يجري عليه.

فأخذوا أنفسهم وراحوا إلى البدوي وحين نظر إلى العصا وليس فيها فأس -وتعرفون أن الأعراب جفاة ومن بدا جفا- تصور أنهم يمكرون به، وأنهم يخدعونه فما تردد في أن يقوم ويأخذ البندقية وينتصب لهم قائلاً: أعلام تريدون أن تخدعوني، فوالله لا يكون ذلك، فإما فأس وإلا رءوسكم، قالوا: لا حاجة لك برءوسنا وفأسك موجود ولكن نحن نسيناه في وسط القبر، فدفن مع الميت، قال: ليس لي شأن.

يقول: فذهبوا من عنده وجاءوا واضطروا إلى فتح القبر وفتحوا القبر وهالهم ما رأوا إذ وجدوا أن صاحبهم هذا قد غُلّت يداه ورجلاه وعنقه في حلقة الفأس ورأس الفأس من عند فمه، وقد وسعت الحلقة حتى انتظمت رجليه ويديه ورقبته فلما رأوه راعهم ذلك وجاءوا بالبدوي، وقالوا: تعال انظر فأسك، ولما رأى فأسه قال: آمنت بالله! هيا اذهبوا، فأعطاهم بندقيتهم ودفنوا القبر وذهبوا.

فهذه القصة ذكرها الشيخ حمود التويجري في كتابه الدلائل الواضحات في تحريم المسكرات والمفترات، وغير ذلك كثير، يقول: لكن لا يلزم أن يكون هذا الأمر بحق كل ميت، كما لا يلزم أن يكون القعود والحركة والاستيقاظ في حق بدن كل نائم، بل هو بحسب قوة الأمر ودواعيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015