Q يقول: ظاهرةُ الانتكاسِ، ظاهرةٌ ملاحَظةٌ في صفوف الشباب الذين التزموا والشابات اللاتي التزمن، فما الحل؟ وما العلاج؟
صلى الله عليه وسلم نعم.
يلتزم الشاب فترة معينة، أسبوع أسبوعين، شهر شهرين، ثم ينتكس، وتلتزم الشابة فترة معينة ثم تنتكس، ويصابون بشيء من الإحباط نتيجة اصطدامهم ببعض القضايا في بيوتهم، أمه ترفض أبوه يرفض أهله ضده، وبعد ذلك يعاكس ويصادم، وبعد ذلك ينهزم، ويرجع رجعة ألعن مما كان عليه قبل الاهتداء -والعياذ بالله-.
أولاً: المنتكس والراجع هذا سببه سوء البداية، فسوء البداية يؤدي إلى سوء النهاية، فالذي يلتزم الطريق من أوله يوصل، لكن الذي يمشي الطريق من أوله وهو غلطان، فيكون كلما سار زاد غلطه، والذين يهتدون هداية شكلية مظهرية، أو هداية عاطفية، بناءً على موقف معين مر بهم، فهؤلاء لا يلزمون الطريق بأسلوب صحيح، بل يأتون بعُنف على أنفسهم، وعلى أسرهم، وعلى آبائهم، وفي مجتمعهم، ثم تزول العاطفة، وينكشف المظهر الخادع، فيُحبَطون ويرجعون، مثل رجل يريد طلوع السطح، وبدل أن يأتيه درجة درجة حتى يطلع، بدلاً عن ذلك أراد أن يقفز مباشرة إلى السطح، فلا هو الذي وصل، ولا هو الذي سلم، بل ضرب برأسه في وسط الجدار ووقع وانكسر، ولو أنه مشى شيئاً فشيئاً لوصل.
أو كرجل أخذ له سيارة وبدل أن يمشي بها مثلاً إلى الجنوب أو إلى الشمال أو إلى أي جهة، ويقف كلما مشى قليلاً، أو كلما سخنت، وإذا ما انتهى زيتُه يغيره، وكلما انتهى بنزينه يغيره، بدلاًَ عن ذلك استهلكها استهلاكاً متواصلاً من يوم أن أوقفها إلى أن انتهى البنزين أو إلى أن فسد الزيت تماماً حتى خَرِبَت السيارة، فهذا اسمه المُنْبَتُّ، لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع.
المُنْبَتُّ: الذي يمشي بغير هدىً، يأخذ جمله ويمشِّيه ويمشِّيه دون أن يوقفه، ودون أن يؤكله ودون أن يريحه، حتى أمات الجمل، وبعد ذلك تعطَّل، لا هو الذي وصل، ولا هو الذي سلم، قال العلماء: كالمُنْبَت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
فما أبقى له جملاً، ولا وصل، وهؤلاء هم أكثر الشباب اليوم، فهم يغترون بالمظاهر، ويتصورون فقط أن الهداية والالتزام في بعض الأمور التي جاء بها الدين، ولكنها أمور ظاهرة، فيخدعون بها أنفسهم ويخدعون الناس بها، وهذه أمور سهلة، كل واحد بإمكانه إطلاق لحيته، وتقصير ثوبه، وعمل بعض الأمور التي جاءت في الدين، لكن هذه ليس عليه المعوَّل، بل المعوَّل على القلوب، الكلام في قلبك، صدقك مع الله، يقينك بالله، تصديقك بحقائق الإيمان، إخلاصك في توبتك ورجعتك لله، هل أنت مخلص لله؟ ترجو النجاة من عذاب الله؟ ترجو الفوز بجنة الله؟ تراقب الله في كل حين؟ بعض الشباب تجده ثوبه قصير، ولحيته معفاة، لكنه تجده إذا رأى امرأة فتَّح عينيه هكذا، وتجده إذا دخل غرفته في الليل بدل أن ينام على ذكر الله، يبحث له عن أغنية ويجعلها مرخية جداً لكي لا يسمعها إخوانه، ولكن الله يسمعك، ويخدع الناس، ظاهره ظاهر إيماني، فهذا لا يستقيم أبداً ولا يستمر، بل يرجع إلى العذاب -والعياذ بالله- والدمار، ونحن نقول لإخواننا: أولاً: صححوا البدايات.
ثانياً: أخلصوا العمل لله.
ثالثاً: رويداً رويداً، والصبر، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت:35] على أهلكم وعلى أسركم، فإذا جاء أحدكم إلى أسرته فلا يحمل أسرته على الطاعة بالقوة، ويأخذ نفسه بالكمال، لا مانع، لكن في بيته لا يغضب على أمه ولا على أبيه ولا على إخوانه ولا على أخواته، إنما بلطف وحكمة وطيب وخدمة وحب وتفاني، وليدعُهم إلى الله بحكمة، فإن أطاعوه واستجابوا فالحمد لله.
أما بالقوة والعناد والمضاربة، فإنه يحوِّل كل الأسرة ضده، وبالتالي يجد نفسه لوحده في الميدان، وإذا به يريد كل شيء، فيخسر كل شيء، ولا يحصل على شيء، ويقولون: من أرادها كلها ضيعها كلها.
لكن قليلاً فقليلاً.
رابعاًَ: عليكم بمثبتات الإيمان وهي كثيرة، وأذكر لكم أربعة فقط: 1 - المثبت الأول: كتاب الله: كتاب الله أعظم مثبت، يقول الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32] فمن قرأ القرآن واستمر على قراءته، وداوم على تدبره، فهذا لا يضله الله بل دائماً يثبته الله.
2 - المثبت الثاني: فعل أوامر الله وترك نواهيه، والدليل: قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66].
3 - المثبت الثالث: قراءة سِيَر الأنبياء وتاريخ الرسل، فتقرءون سَيَرَهم في القرآن الكريم وفي التفاسير، فتقرءون قصة موسى، وقصة عيسى، وقصة نوح، وقصة أيوب، وقصة هود، وقصة يوسف، وقصة يعقوب، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تقرءونها، قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120] فعليكم أن تثبتوا موازين الإيمان عندكم بهذه الأمور الثلاثة مع الأمر الرابع.
4 - المثبت الرابع: الدعاء، ادع الله في كل لحظة، فقولوا: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] اجعلوا هذا الدعاء في سجودكم، واجعلوه في قيامكم في الليل، واجعلوه في كل لحظة من لحظاتكم، كلما ذكرتم الله ادع الله به، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران:8] وادع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك).