المعوق الأول -وهو أخطرها، وأهمها، وأعظمها-: الزميل السيئ، والرفيق الفاسد:- هذا قاطع طريق بينك وبين الله، كلما أردتَ أن تسلك إلى الله قطع الطريق بينك وبينه، لا يريدك أن تهتدي، لا يريد منك أن تسير إلى الله، يقطع الطريق عليك، يريدها عوجاً والله يريدها سمحة، يريدها ضلالاً والله يريدها هُدى، يريدها معصية والله يريدها طاعة، يريدها ظلاماًَ والله يريدها نوراً.
الزميل السيئ: قد عرفنا من التجربة ومن الواقع كم سبَّبت زمالة السوء من نكبة لأصحابها، يقول علي رضي الله عنه:
فلا تصحب أخا الفِسقِ وإياكَ وإياهُ
فكم من فاسق أردى مطيعاً حين ماشاهُ
يُقاس المرء بالمرءِ إذا ما المرء ماشاهُ
وللمرء على المرءِ مقاييس وأشباهُ
وللقلب على القلبِ دليل حين يلقاهُ
ويقول الآخر:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينهِ فكل قرين بالمقارَن يَقتدي
إذا ما صحبتَ القوم فاصحب خيارهمْ ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
ولا تصحب العاصي؛ لأنه يرديك ويُهلكك، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح، كمثل حامل المسك، إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة) أنت رابح مع الزميل الصالح في كل الأحوال، اشتريت، أو أهدى لك، أو وجدتَ ريحاً طيبة (ومثل الجليس السوء، كنافخ الكير، إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة).
وقصة أبي طالب؛ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيرة ثابتة وواضحة، لما حضرتْه الوفاة، وكان ممن يُدافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دافع عن رسول الله دفاعاً عظيماً، وما استطاعت قريش أن تنال من رسول الله شيئاً يوم كان حياً، يقول في كلامه:
ولقد علمتُ أن دين محمد من خير أديان البرية دينا
ثم يقول:
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدْتَني سمحاً بذاك مبيناً
يقول: أنا أعرف أنه أعظم دين؛ لكن أخاف من اللوم، رأسُه ناشف متعصب جاهلي يخاف من أن يلومه أحد، وما الشيء الذي يلومونك عليه؟! أيلومونك إذا دخلت الجنة وتركت النار؟! هذا مثلما يقول الآن بعض الناس عندما تأتي عنده، وتقول له: حجِّب نساءك، فيقول: يا شيخ! هذه عاداتنا، والله لا أستطيع أن أحجِّب امرأتي على فلان، إذا حجَّبتها فهذا عار عندنا، أعارٌ أن تدخل الجنة؟! العار إذا دخلت جهنم ونُكِّست على وجهك أنت وامرأتك في جهنم، هذا هو العار الصحيح، أما أن تحتجب زوجتك، وتطبق أمر ربك فما هو بعار.
فهذا الرجل الجاهلي، لَمَّا حضَرته الوفاة جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول في أبياته:
والله لن يصلوا إليك بضربةٍ حتى أُوسَّد في التراب دفينا
يقول: إذا متُّ فهو عُذري، أما وأنا حي فوالله لن ينال منك أحدٌ منهم بشيء، وعندما جاءت قريش تفاوضه، وقالوا: نعطيك شاباً من خيرة شبابنا يكون ولداً لك وتعطينا ولدك نقتله، قال: ما أسفه عقولكم! تعطوني ولدكم أغذوه، وأعطيكم ولدي تقتلوه.
ثم طردهم، وبصق في وجوههم.
هذا الرجل لَمَّا حضرته الوفاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول كلمة: لا إله إلا الله، من أجل أن يجد له مبرراً يشفع له به عند الله، من أجل المواقف العظيمة النبيلة التي وقفها في حماية الدين والإسلام، فجاء إليه وقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) أعطني فقط حُجة أنك قلت لا إله إلا الله؛ حتى أستطيع أن أشفع لك عند الله.
فالرجل لان قلبُه لهذه الكلمة، ثم أنه لن يخسر شيئاً، فهو ذاهبٌ ذاهبٌ في تلك اللحظات، لم تبق إلا لحظات ويموت، فلا يصلي، ولا يصوم، ولا يتعب، فقط يقل الكلمة هذه، والبقية على الله عز وجل، فأراد أن يقولها؛ لكن قرناء السوء حالوا بينه وبينها، كان عنده أبو لهب وأبو جهل، وعنده الوليد بن المغيرة، وعنده العاص بن وائل، هؤلاء رؤساء الكفر، صناديد قريش واقفون عند رأسه، فلما نظروا إليه وهو يتردد يريد أن يقولها، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فضربوه على الوتر الحساس، على العصبية، فعرفوا أن رأسه ناشف، فذكّروه بملة أبيه وجده، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فقال: بل على ملة عبد المطلب، ومات عليها، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن مات: (والله لأستغفرن لك، ما لم أُنْهَ عنك) واستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهاه الله، وقال له: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:113] ولو كان عمّه {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] وقال فيه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].
فكان من عذابه أن معه نعلان من نار يغلي منها رأسه مثلما يغلي اللحم في القدر، يرون أهل النار أنه أخفهم عذاباً وهو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً.
تصوَّر حذاءً من نار! إذا أردتَ أن تعرف العملية بالضبط، فإذا جاء الغد، وأنت خارج من المسجد في القائلة، فاخرج بدون حذاء، وامش على الأسفلت بدون حذاء، هل تستطيع؟! وفي القائلة؟! ودرجة الحرارة (40) درجة مئوية، لا تستطيع أن تمشي.
لقد رأيتُ رجلاً وأنا في العُمرة، خرج من المسجد الحرام، وقد سُرقت حذاؤه، فأراد أن يقطع الشارع فقط ليشتري حذاءً، فعَبَر الأسفلت، فانسلخت أرجله من حرارة الأسفلت، وهو يبكي من حرارة الشمس، وهي فقط مسافة خمسة أمتار فقط يقطع فيها الشارع إلى المكان الآخر ليشتري حذاءً، فكيف بمن له نعلان من نار يغلي بها دماغه، وهو في ضحضاح من نار، وهو أخف أهل النار عذاباً، بسبب ماذا؟ بسبب الزميل والرفيق السيئ، فالزميل الصالح: يقول: قل لا إله إلا الله، والزميل السيئ يقول: لا.
بل على ملة عبد المطلب، انظروا دور هذا ودور هذا.
وأيضاً: في السنة تفسير الآية الكريمة في القرآن الكريم، قصة عُقبة بن أبي مُعيط -عليه لعائن الله المتتابعة- عُقبة هذا كان رجلاً أريباً وعاقلاً ولبيباً، وكان يحب أن يهتدي ويُسلم، ولكن كان له زميل خبيث، يصرفه عن الهداية، ويحول بينه وبين الإيمان، استغل عُقبة سفر زميله هذا إلى الشام، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستمع القرآن، وكاد أن يُسلم، ولكنه تأخر، حتى جاء زميله من الشام، ولَمَّا دخل الزميل السيئ البيت سأل زوجتَه عن زميله، قال: ما صنع رفيقي فلان؟ قالت: صَبَأ -صَبَأ أي: أسلم- قال: صَبَأ؟!، قالت: نعم.
فخرج من بيته لِتَوِّه، ما نام، وذهب إلى بيت زميله، وطرق عليه الباب، فلما خرج وحياه قال: علمتُ أنك صَبَأتَ، قال: لا.
قال: بل صَبَأتَ، قال: لا.
قال: إن كنتَ صادقاً فهيا معي الآن إلى المسجد الحرام، وابصق في وجه محمد -الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: أبشِر، فخرج معه إلى المسجد، وجاء والرسول ساجد في الكعبة عند المسجد الحرام، ما كان له أحد يحميه -صلوات الله وسلامه عليه- كان يتعرض لجميع أنواع الأذى، يُصب سلا الجزور على ظهره يُبصَق في وجهه يُرجم بالحجارة يُضرب، ولكنه صابر، ولا يدعو عليهم، وإنما كلما آذوه يقول: (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) هذا هو الداعية، هكذا يكون الذي يدعو إلى الله، لكن بعض الناس بمجرد أن تعبس على وجهه قال: الله أكبر عليك أنت لا خير فيك.
وذلك بمجرد أن تقول له كلمة واحدة، فلا يحب إلا أن تصفق له وتطبل له، وتقول: جزاك الله خيراً، لكن بمجرد أن يتعرض لأقل ابتلاء فإنه يغضب مباشرة ويسب ويشتم ويشتكي ويعمل الأعمال، ويقول: هؤلاء لا خير فيهم، هؤلاء منافقون، لا يا أخي! أنت داعية، اصبر على ما ينالك، احتسب كل ما يأتيك، لا تشتكِ إلا على الله، اعفُ، اسمح.
فجاء عقبة وزميلُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من حادثة الطائف عندما قال له مَلَك الجبال: أتريد أن أُطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: (لا.
إني أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبده) حيث كان نَظَرُ النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً، وحُلُمه واسعاً، ونفسه كبيرة، فهي نفس نبي.
جاء عقبة وبصق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح عن وجهه البُصاق، ودعا له: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولم يقل بعدها أية كلمة، ورجع هذا الشقي عُقبة، وعاش بقية عمره، إلى أن بقيت أيام قليلة، فبعد هذه الحادثة هاجر الرسول، وحدثت معركة بدر الكبرى، وكان مِن ضمن مَن قُتل عقبة بن أبي مُعيط، قُتل إلى النار، وأدخله الله النار، وأخبر الله عز وجل عنه في النار أنه يعضُّ يديه ندماً؛ لأنه ما اهتدى، قال عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] لم يقل: على يده ولا إصبعه، بل قال: {عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] يأكل يديه كلها، فأنت إذا دخلت السوق واشتريت لك شماغاً بستين ريالاً، ووجدتها في دكان آخر بثلاثين ريالاً، فما رأيُك؟ وكيف سيكون شعورك؟ ستذهب إلى البيت ولن تتعشى تلك الليلة، يقال لك: تعشَّ، فتقول: لا والله، كيف أشتري الشماغ بستين وغيري اشتراه بثلاثين؟! أين عقلي أنا؟! هل كنتُ مجنوناًَ؟! لماذا لم أبحث جيداً في الأسواق؟! لماذا لم أبحث في عشرة دكاكين واحداً واحداً.
فمن أجل ثلاثين ريالاً لن تتعشى؛ لأنك ضيعت شيئاً من حقك بغير حق؛ لكن يوم القيامة غبنٌ أعظم، سمى الله ذلك بيوم التغابن؛ يُغبن أهل ا