وهذه البصيرة التي يرزقها المؤمن لها أسباب: ففي صحيح البخاري في الحديث القدسي فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل يقول: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) التعرض لأولياء الله من العلماء، ومن الدعاة الفضلاء، والصالحين والمصلين المؤمنين، فالإيذاء والتحرش بهم، وتشويه سمعتهم، والنيل منهم، وتضخيم أخطائهم إذا كان لهم أخطاء فهم ليسوا بمعصومين؛ فتكبير أخطائهم وتشويه السمعة لهم هذا حرب على الله.
لماذا؟ لأنهم أولياء الله، والله يقول: (من آذى لي ولياً) والولاية هنا ضد العداوة؛ لأنه لا يوجد في الدنيا إلا ولي أو عدو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63].
فكل مؤمن تقي فهو ولي لله.
أما الولي عند أهل البدعة والضلال: هو الذي على قبره ضريح، وعلى الضريح قبة، ويذبح حوله ويطاف، هذا هو الولي عندهم! ذاك الذي يلبس عمامة كبيرة، وله مسبحة طويلة، وله أذكار وهمهمات، وتجليات وتكشفات، ويذهب إلى الحرم ويصلي فيه، كما يقول أهل البدعة مثل الصوفية.
يقول أحد الشباب: زرت شخصاً من الصوفية في بلد من البلدان العربية بعد صلاة المغرب، يقول: فأعطانا من الخزعبلات، والكلام الفارغ عن شخصيته، ومكانته عند الله، وأن الكرسي والقلم في يده، والعرش تحت رجله، وأن الدنيا تحت قدمه، يقول: والمساكين المضللين فهموا هذا الكلام، فلما حان وقت صلاة العشاء قلنا له: قم صل معنا يا شيخ، قال: لا، سأصلي في الحرم -وهو في بلد بعيد عن الحرم- فخرجنا وقال الناس: هنيئاً له يصلي في الحرم، يقول: ولما أقيمت الصلاة، رجعت وذهبت إلى بيته، ونظرت من شق في الباب، وإذا به راقد على السرير؛ لأنه لا يريد أن يصلي أصلاً، فمثل هذا ليس عليه صلاة! فالذي يدعي كل هذه الأشياء هذا طاغوت وفاجر، فيدعي أنه يصلي في الحرم حتى لا يلزمه أحد بالصلاة مع المسلمين يقول: فرقد الرجل وأنا ذهبت أصلي وبعد الصلاة أتينا، فلما دخلوا قالوا: له هنيئاً يا شيخ صليت في الحرم، يقول: نعم.
صليت في الحرم، يقول فقلت له: يا شيخ أنا دخلت عليك قبل الصلاة، وأتيت ورأيتك من شق الباب وأنت نائم على السرير، قال: قد رجعت، فهم يصلون مبكراً في الحرم.
الولاية بهذا المعنى هي ولاية الشيطان، هذه ولاية باطلة مرفوضة يداس عليها بالأقدام؛ لأنها ولاية شيطانية.
أما الولاية الربانية، فهي أن تكون مع الله، كيف مع الله؟ أي على كتاب الله وسنة رسول الله، تقوم بأوامر الله، وتنتهي عما نهى عنه، تكون ولياً من أولياء الله، من آذاك أو تعرض لك؛ فإنه يقع تحت وعيد الله، يقول العلماء: بأي إيذاء، لو أن أحدهم في الحمام يتوضأ وأنت تنتظره، وطرقت عليه الباب يعد هذا إيذاء للمسلم، هل أحد في الدنيا يقعد في الحمام مسروراً، لا يوجد أحد يبقى في الحمام إلا من يقضي حاجته، فلماذا تزعجه وتستعجله بالخروج، تريده يقطع قضاء الحاجة، هو لا يعقد إلا لأجل أن يكمل حاجته، ما في أحد يأخذ له وسادة ومسنداً ويقعد في الحمام إلا طائفة واحدة من الناس يرتاحون في الحمام، وهم أهل الدخان! نعم.
بعض أهل الدخان إذا منعوا منه في الدوائر الحكومية ذهبوا إلى الحمام؛ لأنهم يجدون في الحمام رائحة دخان آخر.
أما العقلاء فيبقون في الحمام بمقدار الحاجة ويخرجون، فإذا طرقت الباب على شخص منهم فيكون هذا إيذاءً له، وإذا كنت تقف عند إشارة المرور، ووقف بجانبك ومعه عائلته لا تنظر إليه، فهذا إيذاء له؛ لأن الذي أوقفه هو مصلحة المسلمين، بحيث لا يتجاوز أنظمة السير، فلو تجاوز الإشارة ومشى من أجل أن يحمي عرضه من هؤلاء الفضوليين لقطع السير وجوزي، وربما تسبب في حادث، فلا يجوز لك النظر إليه بحال من الأحوال، فهذا إيذاء للمسلم، وغيرها من أوجه الإيذاء، قال تعالى: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) يعني: أعلنت عليه الحرب، وإعلان الحرب من الله عز وجل، عاقبته التدمير؛ لأن الله غالب على أمره، ومن ذا يغلب الله يا إخوان لا إله إلا الله! من أنت -أيها الإنسان- حتى تقف في مواجهة رب العالمين؟ كم حجمك؟ متران في نصف متر، يعني متر مربع.
وكم حجمك بالنسبة لـ أبها وبالنسبة للمملكة، وبالنسبة لـ آسيا وللكرة الأرضية؟ وما الأرض بالنسبة للشمس؟ فالشمس أكبر من الأرض بمليون مرة، وما الشمس بالنسبة للمجرة؟! وما المجرة بالنسبة للمجرات الأخرى؟! وما المجرات كلها بالنسبة للكرسي؟! وما الكرسي بالنسبة للعرش؟! وما العرش بالنسبة لله؟! لا إله إلا الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنت تقف في مواجهته!! أتظن أن الله غافل عنك عندما يمهلك؟ نعم.
إن الله يمهل ولكن لا يهمل، يقول الله عز وجل: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:44 - 45] الآن الصياد عندما يأتي إلى البحر يأتي بالخطاف والشبكة ويصنع فيها لحماً أو خبزاً أو أي شيء، ويرميه ويمهله، وتأتي السمكة فتقول ما هذه المناسبة الضخمة، ما هذه الأكلة الفاضلة وتلتهمها، فإذا رأى الصياد أن هذه اللحمة أصبحت في فم السمكة، ماذا يفعل؟ يشد الخطاف بسرعة ثم يخرجها ويأكلها، فالله يمهل ويملي ويضع لك الطعم من منصب أو وظيفة شباب بسطة في الجسم ثم لا تدري إلا وقد خطفك، فلا يفلتك إلا في النار، قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) فلا تغتر بإملاء الله عز وجل -أيها الإنسان- عنك، فإملاء الله للإنسان في هذه الدنيا من أجل أن يرجع إلى الله، فإذا لم يرجع فهذه مصيبة الإنسان، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).
أيها -المحارب لله- أنك ستموت، ولا تغتر بما أنت فيه من الجاه أو المنصب، أو المال، أو العافية، أو الشباب، فإنها كلها أشياء مؤقتة سوف تزول، لم تبق لمن قبلك حتى تبقى لك، ولو بقيت للذي قبلك لما وصلت إليك، لكن هذه المفاهيم والموازين تنتقل من إنسان إلى آخر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تذكر أنك ستموت، وأنك في ساعات الاحتضار ستكون أضعف ما تكون، وقد لاحظت وربما لاحظتم وحضرتم جنائز وتصورتم وضع الميت وهو في حالات الاحتضار، الله يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:26 - 27] راق: يعني قارئ يقرأ أو طبيب يعالج {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة:28] أي: تيقن أنه الموت {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] والتفاف الساقين كناية عن الضعف المنقطع النظير؛ لأنه لا تلتف السيقان إلا من ضعف؛ لأنه لو كان متعافٍ لما التفت ساقاه، المريض في ساعات الاحتضار تلتف ساقاه، وتبرد أطرافه، وتتفصل مفاصله، وتنخسف أصداغه وتصير مثل الحفر، وتميل أنفه؛ لأن الأنف هذه تخرج منها الحياة، وهي أصلها غضروف، فإذا خرجت منها الحياة مالت الأنف، هذا هو الإنسان في هذه الحياة، تذكر أنك ستكون في هذا الموقف، متى؟ يمكن أن يكون ذلك في هذه الليلة، أو غداً وأنت لا تعلم، إذاً كيف تحارب الله وهذا موقفك؟ وقل لي بأي سلاح، وبأي صواريخ تقابل الله عز وجل؟ ثم تذّكر أنك ستوضع في الحفرة المظلمة، وسيوضع معك عملك، وسيأتي معك منكر ونكير يسألانك عن عملت في هذه الحياة، وتذّكر أن الله سيبعثك، وأنك ستقف بين يدي الله حافياً عارياً ليس معك أحد، ينجيك عدلك، ويوبقك ظلمك، وتذّكر أنه سيؤمر بك إلى الجنة أو إلى النار، فماذا تقول؟ فلا تؤذ عباد الله، لا تعادي أولياء الله، وقد سمعت عن رجل من الصالحين -وأسأل الله أن يهديه- وهو من عامة الناس، لكن عنده غيرة وحرقة على الإيمان والدين، ومع هذا محسوب من العاديين وليس من الملتزمين أو من الذين لهم شارة كبيرة في الدين، ففي أحد المجالس نال أحد الجالسين من أحد العلماء في المنطقة وتكلم فيه، وقال: إنه لما صافحني في وليمة مدّ رءوس أصابعه فقط، كناية عن الاستهزاء والسخرية من هذا العالم! فقال ذلك الرجل الطيب الموفق: يا أخي! لا تنل منه، والله حرام أنك تمسه بيدك؛ لأنك تنجس يده،، ولو علم الشيخ بك لكف يده؛ لأنك أنجس من الكلب، لسانك هذا تنال به من العلماء، وبدأ يدافع عن الشيخ دفاع المستميت، هذا هو الذي يريد أن يكون عند الله في منزلة عظيمة، عندما تسمع من ينال من عباد الله، أو أولياء الله، أو العلماء أوقفه عند حده، قل: لا يجوز.
والثاني يقول معك: لا يجوز والثالث وهكذا فإذا سمع أهل الشر والفساد أن أهل الإيمان يد واحدة يذبون عن عرض بعضهم بعضاً، لا يستطيعون الكلام بكلمة، لكن إذا تكلم هذا وسكت أهل الخير كلهم، بل بعضهم قال: صحيح، لا يفتح فمه بكلمة واحدة، أين الإيمان، وأين الدين؟!