هذه الصلاة -أيضاً- لها خصيصة في دين الله وهي أن جميع التكاليف الشرعية فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض إلا الصلاة لأهميتها، لما جاء الأمر بفرضيتها استدعي النبي صلى الله عليه وسلم فأسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء حتى بلغ سدرة المنتهى وفي مكان في السماء تركه جبريل، قال: تقدم، قال: أنت، قال: لا.
{وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات:164] {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:9 - 13] إلى آخر الآيات.
فرض الله عليه خمسين صلاة، هذا في أصل مشروعية الصلاة، ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في الأرض وفرضت عليه الخمسين لما كان بالإمكان المراجعة! مثل الزكاة؛ هل راجع الرسول صلى الله عليه وسلم في الزكاة؟ هل راجع في الصوم؟ ليس هناك مراجعة في أي شيء إلا في الصلاة، لماذا؟ لأنه في السماء بين الله وبين موسى نزل الرسول صلى الله عليه وسلم وحمل التكليف خمسين صلاة، أي: لو كانت خمسين صلاة انظروا كم نصلي في مدى (الأربعة والعشرين) الساعة نصلي كل (ثمانٍ وعشرين) دقيقة صلاة! أقل من نصف ساعة؛ لأن كل نصف ساعة صلاة، أي: ثمانية وأربعون صلاة، ويبقى معنا صلاتان ندخلها في النص نأخذ من كل نصف ساعة دقيقتين حتى نغطي، بمعنى: أنه ليس معنا إلا الصلاة نصلي ونسلم، وأذن الثانية ونصلي، وأذن الثالثة إذاً نصف ساعة تتوضأ وتصلي وتسلم وأذن الثانية، أي: أنه ما معنا إلا الصلاة، وهذا هو الصحيح؛ فالله ما خلقنا إلا للصلاة وللعبادة، فالله فرضها خمسين من أجل أن تستوعب علينا وقتنا كله.
ونزل صلى الله عليه وسلم ومر على موسى، فقال له موسى: (ما فرض الله عليك؟ قال: خمسين صلاة، قال: ارجع فاسأل ربك أن يخفف فإن أمتك لا تطيق -يقول: بني إسرائيل فرض الله عليهم صلاتين فضيعوها وأمتك ستضيعها- فرجع إلى الله سبحانه وتعالى وسأله التخفيف، فخففها الله خمساً، ونزل، قال: خمساً، قال: ارجع، فرجع ثانية ونزل قال: خمساً.
بقي أربعون، فقال: ارجع فلا يزال بين الله وبين موسى حتى صارت خمساً، قال موسى: ارجع، يريد أقل من خمس، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد استحييت من ربي) فقال الله عز وجل عند هذه الكلمة: (إنه لا يبدل القول لدي، هي خمس في الأداء وخمسون في الأجر).
ولذا عندما تصلي خمساً فأنت تصلي خمسين؛ الحسنة بعشر أمثالها، فوالله إنه محروم من يضيع هذه الصلاة، خمس فقط! نصلي الآن العشاء وبعد ذلك كم نمكث حتى نصلي؟ إلى الفجر نحو (ثمان ساعات) إلا لمن أراد ووفقه الله للتهجد، ثم نصلي الفجر ركعتين ونمكث بعدها إلى الظهر من (أربع ونصف) أو من (خمس) إلى (اثني عشر) وليس هناك صلاة ومع هذا نضيعها؟! إذاً لماذا خلقنا الله؟! ما فهمنا -أيها الإخوة- لماذا خلقنا الله! أكثر الناس يظن أن الله خلقه من أجل أن يعمر ويتوظف ويدرس ويأكل ويشرب وهذه الصلاة في ذيل الاهتمامات آخر ما يفكر فيه الصلاة، أي: برنامجه معروف: استيقاظ دوام غداء نوم تمشية تسوق سهر نوم هذا برنامج أكثر الناس، والصلاة على الهامش، إن كان يوجد وقت وضع لها مجالاً وإن لم يكن نسيها وضيعها، هذا ضائع ليس فيه خير -والعياذ بالله- هذه خصيصة الصلاة أن الله فرضها في السماء لأهميتها.
ومن خصائص الصلاة أيضاً: أنها العبادة الوحيدة التي لا تسقط على الإنسان في أي حال من الأحوال ما دام يملك عقله، جميع الشرائع تسقط، الزكاة ركن لكن إذا لم يكن عندك مال فليس عليك زكاة، أو عندك مال لم يبلغ النصاب ليس عليك زكاة، أو عندك مال وبلغ النصاب لكن لم يحل عليه الحول ليس عليك زكاة وهي ركن.
والصوم ركن من أركان الدين ومن كان مريضاً أو مسافراً أفطر ويقضي بعد ذلك، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه والأطباء يقولون: مرضك مزمن لا يمكن أن تشفى، أفطر طول حياتك ولا تصم وأطعم ويسقط عنك الصوم.
والحج ركن، وإذا كنت لا تستطيع الحج يسقط عنك الحج كل الشرائع تسقط إلا الصلاة! الصلاة لا تسقط بعدم الاستطاعة، صلِّ قائماً، لم يقل: لا تصل، لا.
قال: صل وأنت جالس، يا رب لا أستطيع أن أصلي وأنا جالس، صلِّ على جنب، يا رب لا أستطيع أن أصلي وأنا على جنبي، صل بالإيماء؛ أومئ إيماءً برأسك وأنت على السرير، كبر، الله أكبر اخفض رأسك في الركوع قليلاً وفي السجود أكثر، لا تستطيع تحريك رأسك فبعينك، لست متوضأً تيمم، لا تستطيع التيمم ليس عندك تيمم صل بغير وضوء، سريرك أو فراشك على القبلة الحمد لله، لا تستطيع أن تصلي إلى القبلة صل إلى غير القبلة {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:115] ثيابك طاهرة ونظيفة الحمد لله، وإن كان فيها نجاسة غيرها إذا لم يوجد أحد يغير لك صلِّ في ثيابك.
المهم، لا تترك الصلاة، لماذا؟ لأهميتها.
صلاة الأمن شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن صلاة الخوف من الذي بينها: الله، صلاة الأمن صلاة المغرب ثلاثاً، والعصر أربعاً، والعشاء أربعاً، والفجر اثنتين، والظهر أربعاً، ما جاءت في القرآن، جاءت في السنة الثابتة الصحيحة، لكن صلاة الخوف جاءت في القرآن بالتفصيل حتى لا يقول شخص من الناس: نحن في معركة، نحن في جهاد، نحن نفتح الأرض لدين الله، فليس هناك داعٍ للصلاة، نصليها في وقت آخر، لا.
الصلاة حتى وأنت تجاهد تصلي، قال عز وجل: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء:102] تفصيل لكيفية صلاة الخوف، فليس هناك صفوف يا رب! الحرب محتدمة والسيوف مشتبكة، قال: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:239] إذا كنتم راجلين أو راكبين؛ على طائرتك أو على دبابتك أو في خندقك أو راجل صلِّ، لا تضيع الصلاة وذلك لأهمية الصلاة!