الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمه وآلائه التي لا تحصى ولا تعد، له الحمد تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، له الحمد بالإسلام، وله الحمد بالإيمان، وله الحمد بالقرآن، وله الحمد بكل نعمة أنعم بها علينا من قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، له الحمد حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: فضيلة مدير المعهد أيها الإخوة الكرام المشرفون على برنامج التوعية في هذه المؤسسة العلمية أيها الإخوة الطلاب الذين حرصوا على الحضور في هذا اللقاء المبارك، الذي لم أكن قد تهيأت له بالمادة العلمية التي تليق به، على اعتبار أنه لقاء أخوي فقط، وليست محاضرة أو كلمة، وإن كنت لست من فرسان هذه الميادين، وقد أنفع في مجال ولا أنفع في مثل هذا المجال أمام العلماء، وأمام طلبة العلم المتقدمين في العلم والسن؛ ولكن قِدتُ إليه فنسأل الله أن يعينني وإياكم.
هذه الدنيا أو هذه الحياة -أيها الشباب- ورطة، من خلق فيها فقد ورط، ولا مخرج له من هذه الورطة إلا باللجوء إلى الله، يقول الله عز وجل: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50 - 51].
الورطة: هي المهلكة والابتلاء والمحنة والفتنة، الله يقول: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7] ويقول عز وجل: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] أي: ليختبركم وليوجدكم على مسرح هذه الحياة من أجل الافتتان، ومن أجل الابتلاء والاختبار؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة.
لم يؤخذ لنا رأي في قضية وجودنا في هذه الحياة، هل أخذ رأي أحدنا؟ لا.
خلقنا رغم إرادتنا، ولم يؤخذ لنا رأي في قضية انتقالنا من هذه الحياة، ولو أخذ لنا رأي ما كان أحدنا يريد أن يموت؛ لأن الإنسان يكد ويتعب ويحصل ويتوظف ويبني ويتزوج ويصير له أولاد، فإذا صلحت له الدنيا من كل جانب جاء الموت ليشطبها من كل جانب.
لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر
فليس لنا رأي في المجيء، وليس لنا رأي في الانتقال، وإنما نحن مطلوب منا أن نعمل في هذه الدنيا عملاً صالحاً، والله عز وجل سيجازينا في الآخرة على ضوء ما نعمل في هذه الحياة، فالذي يريد أن يخلِّص نفسه من الورطة، والذي يريد أن يخلِّص نفسه من هذه الفتنة ومن هذا الابتلاء ليس له مجال ولا طريق إلا باللجوء إلى الله؛ لأنه سيقدم على الله شاء أم أبى، وستكون له المعاملة في الآخرة على ضوء معاملته لله في هذه الدنيا.
إذا كنت في الدنيا كما يريد الله، كان الله لك في الآخرة كما تريد، وإذا كنت في الدنيا بعكس مراد الله، كان الله لك بعكس مرادك في الدار الآخرة، وأنت الآن تكسب وتعمل، وسوف ترحل وتقدم على الله، وتجيء بشيء مثقل إما بالحسنات أو بالسيئات، والله يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90] ويقول في آية أخرى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160].
فأنت الآن تحصد وتعمل، سواء تعمل في طريق الخير أو في طريق الشر، والناس مذ خلقوا ووطئوا هذه الأرض وهم مسافرون، وما من يوم يمر ولا شهر ينتهي ولا سنة تتبدل إلا وأنت تقطع بهذه السنة وبهذا الشهر؛ وبهذا اليوم وبهذه الساعة وبالدقيقة مرحلة من مراحل عمرك إلى الله وإلى الدار الآخرة، وهذه اللحظة أو هذا اليوم أو هذا الشهر فيه عمل.
هل يستطيع الإنسان أن يقف على عجلة الزمن فلا يعمل لا عملاً صالحاً ولا عملاً سيئاً؟ لا.
فلا بد من عمل؛ لأنه بين أمر ونهي، وبين طاعة ومعصية، وبين استجابة لله واستجابة للشيطان، فإذا استجاب لله لم يستجب للشيطان، إذا رفض أمر الله استجاب للشيطان، إذا أمره الله بالصلاة وقام إلى الصلاة أطاع الله، وإذا أمره الله بالصلاة ولم يقم قام الشيطان بدعوته إلى النوم وترك الصلاة، فترك الصلاة فأطاع الشيطان، فهو بين أمر الله أو نهيه، وبين أمر الشيطان أو نهيه.
وهو يستجيب إما لهذا وإما لهذا، وتنتقل الساعة والشهر واليوم والسنة، وهو يملأ هذه الخزائن بهذا العمل، ثم يقدم على الله تبارك وتعالى، وهناك يجازى على ضوء ما سبق أن قدم وعلى ضوء ما سلك في هذه الدنيا، هذه قضية ليس فيها جدال بين أهل العقول.
لكن لسائل أن يقول: كيف الطريق إلى الله؟ ومن أي السبل نسلك على الله؟ لأن الشيطان يسول للناس أن طريق الهداية والالتزام والتدين والاستقامة طريق شائك وطريق صعب، ولا يمكن أن يسير فيه أحد، وأنه طريق معتم ومظلم، والحقيقة عكس ذلك، الطريق إلى الله من أسهل الطرق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وإنه ليسير على من يسره الله عليه) اللهم يسره علينا يا رب العالمين! طريق سهل ممهد مضاء واضح، كما سمعتم في خطبة الشيخ سعد كالمحجة البيضاء -المحجة: هي الطريق الواضح- ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، هذا الطريق -طريق الجنة، طريق الإيمان، طريق الهداية، طريق الالتزام- له أربع مسارات، وله أيضاً قبل ذلك ثلاث خطوات: