السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الإخوة في الله: نبأ البعث وخبر الساعة نبأ عظيم، وخبر جليل؛ لأنه يحدث تغيرات هائلة في الكون، السماء تتشقق وتتفطر، والقبور تبعثر، والجبال تُسيَّر، والنجوم تُنثر وتكدَّر، والشمس تكوَّر، والبحار تسجَّر، هذه الأحداث ليست بالأمر الهين السهل في حياة البشر، وأنتم ترون كيف تضطرب قلوب الناس إذا حدث حدثٌ بسيط من ريح عاتية، أو أمواج متلاطمة، أو أمطار غزيرة، كيف يهرع الناس ويخافون وتتقطع قلوبهم من أشياء بسيطة، فكيف إذا حدثت تلك الأحداث الضخمة التي تجعل الوليد شيبة! الوليد الذي لا يعرف شيئاً يشيب رأسه، يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17].
في ذلك اليوم: ((تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)) [الحج:2]، وهذا شيء لا يكون أبداً في الدنيا، يمكن أن تذهل المرأة عن كل شيء إلا عن رضيعها؛ لأنه قرة عينها، وفلذة كبدها، وتود أن تفتديه بحياتها، ولذا تذهل عن نفسها ولا تذهل عن رضيعها؛ لكن في ذلك اليوم تذهل عنه: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]، في ذلك اليوم يحصل رعب عظيم لا يتصوره العقل، يقول الله فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج:1]، خافوا من الله، راقبوا الله، ارجعوا إلى الله، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:1 - 2]، لكن شدة العذاب، ضخامة الأحداث شيءٌ لا يتصوره العقل، يجعل الإنسان مثل السكران، {وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].
في هذا اليوم الرهيب الصعب نقف جميعاً كلنا في عرصات القيامة، لا يستطيع أحدٌ أن يختفي، ولا يستطيع أحدٌ أن يفر أو يهرب، أو يلجأ إلى مكان آخر، قال تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:6] هذا الكافر الآن يقول: أين هو يوم القيامة؟! يسأل، يستبعد، {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:6]، والله يبتدئ السورة بأنه لا يقسم بيوم القيامة فقط، ولا يقسم بالنفس اللوامة فحسب، بل يقسم بكل ما يُقسَم به، وله تبارك وتعالى أن يقسم بما شاء من عباده: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة:3] أيقيس الإنسان قدرة الله على قدرته العاجزة، الذي لا يستطيع أن يخلق ذباباً، ولا يستطيع أن يخلق شعيرة، ولا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعاً ولا ضراً، ويريد أن يكون الله مثله، ولهذا لما صعُب عليه أمر البعث يستبعده على الله، قال الله: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:3 - 4]، والبنان إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي ما كان الناس يعرفون شيئاًَ عن سر الإعجاز والخلق العظيم في البنان.
وبعد ذلك اكتشفوا أن كل بشر له في إبهامه اليُسرى تعرجات، وتعوجات دائرية، تختلف هذه التشكيلة في كل إصبع عن الأخرى من كل البشر، ولو جئت الآن بمن على ظهر الأرض، وهم قرابة أربعة آلاف مليون نسمة، لو جئت بهم وصففتهم وأخذت بصمة إبهامهم، لما وجدتَ اثنين سواءً في الإبهام، وبعد ذلك ليس هذا فقط، لو جئت بالذي قبل مائة سنة؛ لأن قبل مائة سنة ما على وجه الأرض أحد من هؤلاء الموجودين الآن إلا النادر، والنادر لا حكم له، ربما واحد في العشرة ملايين، لو بُعث من في القبور من مات قبل مائة سنة، وجئنا نصُفهم مع الموجودين الآن وأخذنا بصماتهم ما وجدنا اثنين يتساويان في الإبهام من الأولين ولا من الآخرين، ولو أتينا بكل من خلقه الله من آدم إلى يومنا هذا، إلى يوم يفني الله الأرض ومن عليها، لا نجد اثنين سواءً في الإبهام، من يعمل هذا؟! لا إله إلا الله!