الإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة له موقفان: موقف بين يدي ربه في الصلاة، وموقف بين يدي ربه يوم يلقاه، فمن اهتم بهذا الموقف خفف الله عليه ذاك الموقف، ومن أهمل هذا الموقف شدد عليه في ذلك الموقف، وقد أثنى الله عز وجل على الخاشعين في الصلاة، يقول الله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] ويثني الله عز وجل في سورة الأنبياء عندما ذكر الأنبياء فيقول في آخر الآيات: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].
ويقول الله عن الصلاة: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} يعني: ثقيلة {إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] والذي يشعر بثقل في الصلاة دليل على أنه ما عرف الصلاة.
أما الذي يخشع في الصلاة فإنه لا يشبع منها! لماذا؟ لأنه مع الله، كيف يشبع من يقف بين يدي الله؟! لكن من هو الذي يضيق ويريد أن ينصرف بأي وسيلة؟ من قلبه ليس موجوداً، فالجسد يتبع القلب، فإذا كان القلب في الخارج فإن الجسد يريد أن يلحق به، القلب ملك الجوارح، فإذا كان القلب موجوداً فإن الجوارح ساكنة، وإذا كان القلب بالخارج فالجوارح غير مطمئنة، ولذا ترى كل جارحة تشتغل في جانب، جارحة العين تتلفت، وجارحة اليد تحك ظهره وأنفه ورأسه، ويصلح عقاله وغترته، وتراه يوازن بين رجليه، وظهره يؤلمه، لماذا؟ لأنه غير موجود في الصلاة، ولهذا يقول ابن القيم: والله لو سلمت منا القلوب ما شبعت من كلام الله ولا من الصلاة.
إذا صح القلب فلن يشبع من كلام الله ولن يشبع من الصلاة، لكن متى يثقل عليه القرآن وتثقل عليه الصلاة؟ إذا مرض القلب -نعوذ بالله وإياكم من مرض القلب- يقول الله عز وجل عن عباد الله الصالحين: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:109] يعني: تلاوة كتاب الله تزيدهم خشوعاً.