أيضاً: ينبغي لمن يقرأ القرآن: أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها، وقد كان السلف رحمهم الله شأنهم الإكثار من تلاوة كتاب الله، ويتفاوتون في قدر ما يقرءون من القرآن الكريم، فمنهم من كان يختم في كل شهر مرة وهذا أقلهم، يقرأ في كل يومٍ جزءاً، وهذا أمر سهل، وقد ذكرته مرة من المرات في جلسة من الجلسات، وأخبرني بعض الإخوة أنهم تمسكوا به وأنهم ما ملوا منه أبداً، بل من أسهل الأشياء أن تجعل لك في كل يوم جزءاً، وليكن الجزء الموافق للتاريخ نفسه مثلاً: في اليوم التاسع والعشرين ينبغي أن تكون في الجزء التاسع والعشرين، وغداً يكون التاريخ واحداً تختم الجزء الثلاثين في الليل، ثم في الصباح تبدأ بالجزء الأول وهكذا؛ لأن هذا يسهل عليك عملية المراجعة فتستطيع أن تقرأ وأنت في المكتب أو المسجد أو البيت؛ وبذلك تعرف أنك في الجزء العاشر إذا كنت في اليوم العاشر من الشهر، وفي الجزء الثامن إذا كنت في اليوم الثامن من الشهر وهكذا، وبالتالي تختم القرآن في كل شهر مرة.
أما إذا لم تعمل هذا العمل فإنه يصعب عليك، ويمكن ألا تختم القرآن في السنة ولو حتى مرة.
وكان بعضهم يختم في كل عشر ليالٍ ختمة، وبعضهم وهو الأكثر من السلف كان يختم في كل أسبوع مرة، وكان بعضهم يختم في كل ثلاثة أيام، ولا أقل من ذلك، فقد روى أبو داود والنسائي والترمذي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا يفقه من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث) وقد وردت بعض الآثار أن عثمان رضي الله عنه كان يختم في كل يوم مرة، وكذلك الشافعي أثر عنه أنه ختم في رمضان ستين مرة -ختمة في الليل وختمة في النهار-؛ لأن ألسنتهم أصبحت مثل الآليات على القراءة، مارسوا فيها قراءة القرآن ممارسة عظيمة جداً، فلا يجدون تعباً في القراءة.
ويستطيع الشخص منهم أن يقرأ القرآن في عشر ساعات أو في إحدى عشرة ساعة، وقد جربت أنا هذا، فعندما كنت في مسجد النمصا استطعت أن أختمه في أقل من ثلاث عشرة ساعة يتخللها الصلوات، لكن لو أن شخصاً جلس لا ينصرف أبداً عن القرآن، فإنه يستطيع أن يختم في عشر ساعات أو في ثمان ساعات؛ لأنه يقرأ الجزء في ربع ساعة أو الثلاثة أجزاء في ساعة واحدة.
ينبغي لكل شخص أن يكون له ورد من صلاة الليل، يقرأ فيه القرآن سواء نظراً أو غيباً؛ لأن الله أثنى على من يقرأ القرآن في قيام الليل، فقال: {ومِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113] * {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:114] إذ أن قراءة القرآن في الليل أجمع للقلب، خصوصاً إذا كان بصوتٍ نديٍ طري، وهو أبعد عن الشواغل والملهيات؛ لأن الناس في سكون ولا يوجد أحد يشغله، وهو أصون عن الرياء، فتدخل غرفتك وتضيء المصباح إضاءة خفيفة، وتأخذ مصحفك ثم تصلي لله كما تشاء، ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان أو عشر، إلى قريب الفجر، ثم توتر قبل أن يؤذن لصلاة الفجر.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من قام بعشر آيات -أي: من صلى الليل بعشر آيات خمس آيات في ركعة وخمس أخرى في ركعة- لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتبه الله من القانتين، ومن قام بألف آية كتبه الله من المقنطرين) الذين يأتون يوم القيامة بقناطير، وهذا الحديث رواه أبو داود وغيره.
فعليك أن تجعل هذا الحديث نصب عينيك، فلا تفوت الفرصة، ولا تجعل الليل يذهب بدون قيام مهما كانت أشغالك، ومهما كانت التزاماتك، فليس لديك عذر أبداً.
فصل حتى ولو ركعتين، نعم.
قد تجد صعوبة في بداية الأمر ولكن هذه الصعوبة تتذلل إذا علم الله منك صدق اللجوء وقوة اليقين، بل ويعينك ويوقظك قبل الموعد بدقائق، بإذن الله، وهذا شيء مجرب.
وعليك إذا كنت متزوجاً أن تنبه زوجتك أن تكون لك عوناً على هذا الأمر، ولا بد أن توقظك لقيام الليل وأن تقوم معك، وعليك أن تبين لها هذه الأحاديث والأدلة على فضله، وليس شرطاً أن تقوم كثيراً، لا.
وإنما تقوم بثمان طويلات أو أربع، وأقل شيء ركعتين ولو كانت خفيفتين.