المال حبب إلى كل الناس، والله تعالى يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14] فهذا محبوب، ولا يوجد أحد لا يحب المال، فكل واحد يحب المال، والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يحب المال، وجميع المخلوقات لا تحب المال، فهل رأيتم حماراً يحب المال، أو بقرة تحب المال، أو جملاً؟ أبداً.
لا يوجد إلا الإنسان، لماذا؟ قالوا: إن الله خلق في الإنسان حب المال من أجل تطوير الحياة، إذ لو كان الناس لا يحبون المال لما كان هناك تطور، ولكان الإنسان الآن يجلس في عشة أو كوخ، وبورق الشجر يلطخ جنبه ويستر عورته إلى أن يموت ولا يطور نفسه، لكن لما جمع المال وأحبه وجد أن المال يمكِّنه من تطوير نفسه، ولهذا فالصراع الآن في الحياة كلها بسبب المال؛ المال عصب الحياة المال سماه الله قياماً، قال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] أي: قوام الحياة هو المال، وبالمال تجد الدول المتطورة غنية، والدول المتخلفة فقيرة، ليس عندها مال ماذا تصنع؟ لا تستطيع التطوير، لكن التي عندها مال تقوم بالتطوير.
الحيوانات لما كانت لا تحب المال ما تطورت؛ فالحمار حمار من يوم أن خلقه الله إلى قيام الساعة، لم يفكر أن يشتري له حذاء، والبقرة بقرة! لم تفكر في يوم من الأيام أن تشتري لها سروالاً وتستتر من الناس، لماذا؟ لأنه ليس عندها تطوير، لكن يهمها أن تأكل وتشرب وتُحلب وتنام، وكذلك جميع الحيوانات، أما الإنسان فقد حبب الله إليه المال وجمع المال، ولكن جاء الشرع ونظم هذا الحب، وجعل المال الحرام غير محبوب، والمال الحلال محبوباً كسبه، فإذا رفضت المال الحرام كنت أعبد الناس.
الناس الآن إذا رأوا شخصاً متديناً، وبعد ذلك جاءت له فرصة من فرص الكسب الحرام فأخذها مع الناس، فإنهم يزدرونه، أضرب لكم مثالاً: في دائرة من الدوائر الحكومية رئيس القسم وجد أن عنده معاملات كثيرة، وطلب من مدير الإدارة أن يمنح العاملين عنده عملاً إضافياً لمدة أسبوعين لإنهاء الأعمال المتراكمة، وبعد ذلك هو يريد أن ينفعهم، وجمع الموظفين وقال: نحن طلبنا لكم عملاً إضافياً، وأنا أعرف أن العمل الإضافي لا تستحقونه، لكن أريد أن أحسن وضعكم ولكن أكملوا المعاملات وتعالوا بعد العصر لمدة نصف ساعة أو ساعة ووقعوا الانصراف والدوام، قالوا: جزاك الله خيراً، وشخص متدين وعليه علامات الخير قال: جزاك الله خيراً، بارك الله فيك، ماذا ستقول له الجماعة؟ سيقولون: المطوع أخذ معنا من الحرام، لكن لو وقف هذا المتدين وقال: لا يا جماعة الخير.
أنا لا أسجل معكم، تريدوني أن آخذ فوق هذا زيادة هي حرام؟ لا.
أنا لا آخذ، هذا الفعل من هذا الإنسان هو أعظم تأثيراً في الدعوة في قلوب الناس من ألف موعظة يلقيها هذا الإنسان، وإذا قالها قالوا: والله إن فلاناً صادق؛ جاءه راتب نصف شهر زيادة وتركه، هذا هو الصادق، نعم.
فأنت أتقى وأعبد الناس يوم أن تترك المحارم.
وهذا هو دعاء الملائكة -أيها الإخوة- من فوق سبع سماوات لأهل الأرض، يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:7 - 9] فهذه الملائكة تدعو لك وأنت في الأرض، تقول: يا ربنا قهم السيئات، أي: اصرف عنهم المحارم والمحرمات، ثم قال عز وجل عن الملائكة إنها تقول: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9] إذا وقاك السيئات فقد رحمك الله.
فمتى تستحق رحمة الله؟ إذا وقيت نفسك من السيئات: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9].