وفي حديث جبريل الصحيح، الذي جاء يعلم فيه الصحابة أمور دينهم حينما كانوا جالسين كما يروي عمر قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه من القوم أحد) وكان السفر في الماضي ليس كالآن، يجلس في الطائرة كأنه في البيت، لا بل يأتي من السفر أغبر جائع أشعث تعبان يقطع الطريق ويمضي فيها شهوراً، فهذا جاء من سفر ولكن ثيابه نظيفة وليست مغبرة، وشعره غاية في السواد، وثوبه أبيض جداً وليس أشعث، وما عليه أثر سفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، فمن أين أتى هذا؟ ليس بمسافر ولا من المعروفين من الناس! نعم.
جاء من السماء.
(فجلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال صدقت، قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه!) معناه أنه أعلم منه، حين تسأل شخصاً ويجيب، فتقول: صدقت! فمعناه: أنك تعلم الجواب، فسؤاله ليس سؤال المستفهم بل سؤال المؤكد والمعلم.
(قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله، قال صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) يقول: أنا والله ما أعلمها أكثر منك، إن كان هناك علم عنها فهو عندك؛ لأنك أتيت ومعك علم من السماء.
فما المسئول عن الساعة بأعلم من السائل، فهذا سؤال ولكن السائل والمسئول لا يعلمان عنها شيئاً، يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف:187] فعنده علم الساعة، لا يعلمها ملك في السماء ولا نبي في الأرض، وإنما اختص الله نفسه بعلم الساعة.
قال: (فأخبرني عن أماراتها) أي: أعطني دلالات أو إشارات تدل على قرب وقوعها، فأخبره عن بعض أماراتها، قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) وقد حصل في هذا الزمان، فالذين كانوا يسكنون في القفار والصحاري والربع الخالي وفي البادية ما كانوا يعرفون المدنية كانوا يبنون بيوت الشعر، فإذا انقطع المطر في أرض ذهبوا إلى أرض أخرى، فأصبح لديهم فلل وعمارات، قال: وأن ترى العالة أي: الفقراء، الحفاة أي: الذين لا يعرفون الأحذية، العراة: الذين ما معهم ملابس يلبسونها، تراهم يتطاولون في البنيان، كل شخص يقول: عمارتي أحسن من العمارة الثانية، وتنسيق عمارتي أحسن من تنسيق العمارة الثانية، وهذا الحديث فيه ذكر البعث بعد الموت.