Q كان سلف الأمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إذا التقوا في مجالس الخير والعلم ثم أرادوا الانصراف بعد ذلك هل يختتمون مجلسهم بوصية تذكرهم بالله تعالى، ونريد من فضيلتكم وصية نختم بها مجلسنا المبارك؟
صلى الله عليه وسلم بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً، أما الوصية التي أوصي بها نفسي، وأوصي بها إخواني، فهي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين التي قال الله فيها: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] وتقوى الله هي مراقبته، وأن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية من العمل الصالح، وأستطيع أن ألخص هذه الوصية في ست فقرات أو ست وصايا بإذن الله، تكون إن شاء الله نافعة للإنسان السائر إلى الله عز وجل: الوصية الأولى: قراءة القرآن الكريم.
بأن يكون لك ورد يومي من كتاب الله عز وجل، لا يمكن أن تتأخر أو تتخلف عنه بحال من الأحوال، ولو لم يكن هذا الورد كثيراً، ولو صفحة واحدة تقرأها وتعرف تفسيرها ومعناها، كوجبة روحية لقلبك في كل يوم، وأنسب الأوقات وأفضل اللحظات لقراءة القرآن بعد صلاة الفجر؛ لأن النفس صافية، والذهن موجه للاستقبال، وأي شيء تقرأه أو تسمعه في تلك اللحظات يثبت؛ لأنه بعد استراحة، وكذلك في بداية يوم جديد؛ لأنك تكون فيه نشيط العقل والذهن، فهذه الوصية الأولى وهي: قراءة كتاب الله وقراءة تفسيره ومعانيه، وأوصي بقراءة تفسير ابن كثير لمن أراد التوسع، وقراءة تفسير في ظلال القرآن لمن أراد الفكر الناصع الدعوي الحي، وقراءة تفسير صفوة التفاسير فإنه يعطي شيئاً من المفاهيم التي جمعها من معظم التفاسير.
الوصية الثانية: أن يكون لك في كل يوم حديثاً واحداً تقرأه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا بد ألا يمر عليك يوم إلا وقد قرأت حديثاً واحداً، وخير كتاب يوصى به في هذا: كتاب رياض الصالحين؛ فإنه كتاب قيم، اشتمل على كل الإسلام بأصح الأحاديث؛ فليس فيه حديث موضوع، كل أحاديثه تدور بين الصحيح والحسن، وليس فيه حديث موضوع أبداً بأي حال من الأحوال، وقد ذكر أهل العلم أن فيه سبعة عشر حديثاً ضعيفاً، ولكنها في فضائل الأعمال، وقد جوزوا الاستشهاد بها، فيجب أن تقتني هذا الكتاب، وأن يكون عند رأسك، وأن تقرأ كل يوم ولو حديثاً واحداً، فإذا فهمت الحديث فالحمد لله، وإذا لم تفهمه رجعت إلى تفسيره، وتفسيره في كتاب اسمه: دليل الفالحين شرح رياض الصالحين، وهو أربع مجلدات شرح فيه رحمه الله رياض الصالحين.
الوصية الثالثة: أن تحرص على مرافقة الصالحين.
لأن الطريق شاسع، وإن لم يكن معك أخ في الله يعينك، وإلا فإنك سوف تتردد، والأخ هذا الذي سوف تمشي معه هو من يسحبك ويعينك على طاعة الله لا من يخذلك، فإذا مشيت مع واحد ووجدت أن عنده ضعفاً في الدين فاحذر منه؛ فإنه يعيقك عن الإتيان في طريق الله.
الوصية الرابعة: أن تحذر كل الحذر من رفيق السوء الذي يزين لك الباطل.
فكم من إنسان كان شعلة في الهداية، ولكن بجلسة واحدة مع صاحب سوء رده ونكسه والعياذ بالله: (فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فبجلسة واحدة تؤمن، وبجلسة واحدة تكفر، فلا بد من اختيار الزميل، لا تقول: فقط هذه الرحلة، لا.
أنت إذا جلست مع شخص أجرب أو شخص عنده سل أو كوليرا أو إيدز، لا تجلس معه لحظة واحدة، هذا والله الذي عنده طعن في دينه، وشك في عقيدته، وفسق في أخلاقه، والله إنه أخطر عليك من كل خطير.
الوصية الخامسة: عليك أن تجتهد كل الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، حافظ على جميع الأوامر الربانية؛ لأنها غذاؤك ووقودك في السير إلى الله، فالسيارة لا تمشي إلا بوقود، وأنت لا تستطيع أن تعيش إلا بغذاء، فغذاؤك في طريقك إلى الله كثرة العبادة، حتى ترق روحك وتصير شفافة؛ لأن من الناس من لديه حماس للدين لكن عنده ضعف في العبادة، فهذا لا ينفع، تجده يحترق على الدين من قلبه، لكن لا يصلي في المسجد، فلا بد أن يكون لك قوة عبادة مثل: كثرة الأذكار؛ أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال والمناسبات، أيضاً كثرة القراءة، وكثرة النوافل سواءً كانت هذه النافلة الضحى، أو نافلة صلاة الفجر التي بعد الشروق، أو نافلة التهجد في الليل.
أما السنن والرواتب فإنها بحقك أنت مثل الفرائض فلا تتركها أبداً، أيضاً كثرة الصدقة إذا كان عندك إمكانيات ولو من مصروفك، أشعر نفسك بالاستعلاء على المادة، إذا كانت مصروفاتك في اليوم خمسة ريالات، فكل ثلاثة ريالات وأبقِ معك ريالين وحاول أن تذهب بهما في المجال الخيري، إما بإهدائها لأخ، أو صدقة على زميل لك من زملاءك التي تعرف أن حالته متعبة، ليست القضية أن ليس عندك شيء، لا.
فالريال الواحد له ميزان عند الله عز وجل.
أيضاً نوافل العبادات في الصيام، كصيام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو نوافل العمرة والحج، أو نوافل صلة الأرحام، أو نوافل بر الوالدين، هي فريضة لكن هناك نوافل بالمبالغة في بر الوالدين.
وهذه مصيبة! أكثر الشباب المهتدي منذ أن يهتدي ويرى أمه وأباه ليسوا مثله يعصيهم، ويظن أن معصيتهم طاعة لله، لا.
فالله أمر بطاعتهم ولو كانا مشركين، قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فأنت عندما تكون أنت وأخوك، أخوك غير مهتدٍ وأنت مهتدٍ في البيت، ثم ترى والدتك أو والدك أنك عاصٍ لهما وأنك باستمرار بعيد عن مصالحهم، ويرون أخاك العاصي في أيديهم أينما طلبوه وجدوه، وأينما أرسلوه يلبي، وباستمرار في خدمتهم، فهذا يدعوهم بفعله إلى المعصية، فيحبون المعاصي بأخلاقه، وأنت تدعوهم بفعلك إلى ترك الدين، لكن إذا انعكست الآية وأصبحت أنت البار والطيب وأنت الذي تخدم، وأنت الذي باستمرار في كل خير، بطبيعة الحال هذا الفعل سيؤثر في أمك وأبيك.
الوصية السادسة: وهي الحرص الكبير جداً على الطاعة، ينبغي أن تكون في المسجد قبل الآذان، وإذا تأخرت فليكن بعد الأذان مباشرة، لا كما يفعل بعض الناس لا يخرج إلا إذا أقيمت الصلاة، لا.
ثم يأتي وتفوته تكبيرة الإحرام، لا.
بل يجب أن تكون في أول الصف، تأتي وتصلي ركعتين تحية المسجد، ثم تصلي بعدها نافلتين أو أربع ركعات، ثم تأخذ المصحف وتقرأ القرآن، ثم تذكر الله حتى تقام الصلاة وأنت مشرق النفس متهيئ للقاء الرب.
الوصية السابعة والأخيرة هي: الحرص الكبير على عدم ممارسة أي معصية من معاصي الله عز وجل مهما كانت صغيرة، فإن الصغير غداً يصير كبيراً، يقول:
لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يعود كبيراً
إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيراً
فلا تستصغر أي ذنب، كأن تقول: والله هذه أغنية، فإذا كنت مع زميل لك في سيارته وشغل أغنية لا تقل: سهلة وتستحي منه، لا.
ولكن كن كالأسد وأغلقها، إذا قال لك: لماذا؟ تقول: لا أريد أن أسمع، واتركه إذا أصر لا تكن ضعيفاً؛ لأنك إذا لم تتركه أملى عليك الباطل، ويمكن تنزل من السيارة وقد تغير قلبك، فقد يأتيك إبليس ويقول: رأيت كيف أن الناس في راحة! وأنت عقدت نفسك على الأشرطة القرآنية وعلى الدين، انظر هذا مرتاح! فيوحي إليك الشيطان فتتزعزع فتسمع فتزيغ.
وكم كان الزيغان لأكثر الناس إلا بمثل هذه الأساليب، لا تتزعزع أمام أغنية أو أمام نظرة كأن تمشي في الشارع فترى امرأة، وأول نظرة هذه هي الخطر، فإذا رأيتها غض بصرك مباشرة واستغفر الله، يسكب الله في قلبك النور والإيمان، لكن إذا تابعت الثانية يذوب الإيمان في قلبك ويحترق، ولا يبقى معك دين أيها الإنسان.
لا تتزعزع أمام المال الحرام مهما كان ولو قرشاً واحداً من حرام لا تأخذه، ولا أمام غيبة في مجلس من المجالس، فإذا سمعتهم يغتابون فلا تتكلم في الغيبة ولا بالنميمة، ولا بأي معصية من المعاصي التي حرمها الشرع، احرص ألا تعصي الله، كن دائماً نظيفاً، لماذا؟ لأنك بالطاعات تبني، وبترك المعاصي تحمي، فما دام البنيان قائم والحماية حاصلة يكتمل البنيان، لكن إذا كان البنيان يقوم والمعاصي تهدم؛ فإن المعاصي تفتك بالبنيان ولا يقوم.
أما إذا كان العكس فالمعاصي مستمرة، والبنيان متفوق، -مثل أكثر الناس الآن، ليله ونهاره كله معاصٍ: أغانٍ، وتمشيات، وسب، وشتم، وقطع صلوات، وليس هناك طاعة- فلا يقوم له البنيان.
هذه الأمور السبعة التي أوصي بها نفسي أولاً، وأوصيكم بها، وأعيدها لتثبت في أذهانكم.
أولاً: ليكون لك ورد في كتاب الله يومياً، ولا يمكن أن تخل بهذا أبداً مهما كانت الظروف، مثلما تعرف تأكل يجب أن تأخذ وجبتك أولاًَ من القرآن، وأن يكون لك ورد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولك أصدقاء صالحين، وأن تبتعد من الأصدقاء الفسقة والعصاة، وأن تحرص على طاعة الله، وأهم طاعة لله: الصلاة في المسجد وخصوصاً الفجر، وأن تحرص على ألا تعصي الله عز وجل، وأعظم شيء أحذِّر منه الشباب باستمرار الغناء والنظر للمحرم واللعب، خاصة الملهيات في المجالس، تجد بعض الشباب يجتمعون أربعة أو خمسة فيلعبون الورق أو الدمنة أو الكيرم، هذه تدل على أن الشخص لا يعرف لما يعيش له، صحيح أن النفس تريد نوعاً من التسلية لكن في حدود المباح، أما الانشغال بهذه الملهيات عن دين الله عز وجل فهي خطأ، وهل هناك أعظم من تسليتك بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ليس أعظم من ذلك، بارك الله فيكم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.