ميادين الصبر كثيرة، منها: الصبر على مصائب الدنيا، لأن الإنسان لا يسلم من الآلام والمصائب والأمراض في النفس، وفي البدن، وفي فقدان الأحبة، وفي خسران المال، وفي ضياع بعض المقدرات، والله عز وجل يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} [البقرة:155] وهنا مؤكد بعدة مؤكدات {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155 - 156].
وهذه العبارة من أعظم ما يبرد القلوب على المصائب، إذا أردت أن تضع على قلبك المشتعل بالمصيبة ماءً وثلجاً يبرده فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
مات ولدٌ لامرأة هو أكبر أولادها والموظف الذي يصرف عليهم، وما عندهم في الدنيا إلا الله ثم هذا الولد، فمات في حادث مروري، وهي ضعيفة البنية مريضة الجسد، وقالوا: إذا أخبرناها أنه مات ستموت، فقالوا: لا تخبروها، وأُخبر أحد الصالحين عنها وهو قريبٌ لها فجاء إليها، ولما دخل عليها أحست أن الوضع قد تغير، ورأت حركة غير طبيعية في البيت، رأت أناساً يدخلون وأناساً يخرجون فتوقعت وقالت: أين فلان؟ قالوا: موجود لم يحدث له شيء، قالت: أين هو، ما الذي حدث له؟ فقال لها هذا الموفق: قولي: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقالت: مات؟ يقول: لو قلت لها مات ستموت هي، وستنطفئ روحها، لكن ما قلت لها مات، وإنما قلت لها: قولي: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقالت: أخبروني هل مات؟ قلت لها: قولي (إنا لله وإنا إليه راجعون)، يقول: فما زلت أكرر عليها (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وهي تقول: مات أخبروني، حتى قالت في نفسها: إنا لله وإنا إليه راجعون.
يقول: فلما قالت -وهي تكاد تشتعل من الجزع والحزن-: إنا لله وإنا إليه راجعون، هدأت وسكنت.
فكررتها مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً، ولكن يقول: ما أخبرتها بأنه مات، لكن تكراري للعبارة يدل على أنه مات، إذ لا تُقال هذه الكلمة إلا عند الموت.
ولكن جئت إليها بالخبر عن طريق آية تبرد قلبها: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:156 - 157] الله أكبر كيف يأتي الثناء من الله، صلوات، أي: تثبيت من الله وثناء ورحمة منه سبحانه: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:157].
فلا تتوقع أن تعيش سالماً، لا بد في هذه الدنيا من مصائب وعجائب وهي مثل العجلة، أناس فوق وأناس تحت، ثم الذين تحت يصيرون فوق والذين فوق ينزلون تحت، وما تترك أحداً إلا ودقت بابه، ولا يوجد أحد في الدنيا سليم منها أبداً، اليوم تجد في هذا البيت زواجاً وفي البيت الآخر عزاء، وبعد سنتين أو ثلاث ترى العزاء في بيت الزواج، والزواج في بيت العزاء، ما يبقى أحد على حال واحد إلا الله عز وجل.
فاصبر لكل ما يأتيك به القضاء من الله وتحمل.