إذا كانت الذرية من البنات، فلا ينبغي للإنسان أن يتخلق بأخلاق أهل الجاهلية ويحزن؛ لأن الذي يهب البنات والذكور من هو؟ الله سبحانه وتعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49 - 50] أي: يخلطهم.
فالذي يحدد نوعية الذكر والأنثى ليس الأب وليست الأم، أو الطبيب، أو المستشفيات، أو الدول، أو الحكومات الذي يحدد ويقارن ويوازي بين أعداد الذكور والإناث في كل مجتمع هو رب الأرض والسماوات! ولو ترك الله سبحانه وتعالى أمر تحديد الذكور والإناث للناس لاختار كل واحد الرجال إذا حملت زوجتك ماذا تريد؟ وسألناك تريد ذكراً أم أنثى؟ كل واحد يقول: أريد ذكراً، حسناً جاءك ذكر، والثاني ذكر والثالث كذلك كلهم ذكور! إذاً، من أين نزوج هؤلاء الذكور؟ الدنيا كلها رجال ولا يوجد نساء، إذاً! تنقرض الحياة فالله يهب لك أنت ولداً ويهب لذلك بنتاً، وهناك نسب متقاربة في جميع الشعوب، وعندما -مثلاً- تنظر الإحصائيات يقول لك: عدد السكان (10) مليون؛ الذكور (5) مليون وزيادة، والإناث (4) مليون وزيادة، أحياناً يكون الإناث أكثر؛ لأن الرجال يتعرضون دائماً للموت في الكوارث والحروب والحوادث؛ لأن الرجال هم الذين ينتقلون، حتى حوادث المرور الآن تجد أكثر من يموت الرجال؛ نظراً لأن أسفارهم كثيرة، وفي الحروب كذلك يموت الرجال، فالله سبحانه وتعالى يزيد في النسبة دائماً لكي يوازن: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً} [الشورى:49].
فإذا وهبك الله بنتاً فلا تضجر من هبة الله؛ لأنك إذا تضجرت فإنما تعترض على الواهب، بل بعضهم يغضب من المرأة: أنتِ ما عندكِ خير! ما عندك إلا بنات! كل مرة بنت بنت بنت؟! أليست هي قد أتت بالبذر منك؟ أنت من تضع بذرة البنات، وإذا كنت رجلاً فضع بذرة رجال! واحد اسمه أبو حمزة رزق بنتاً، ثم بنتاً، ثم بنتاً، ثم بنتاً فتزوج ثانية يريد أولاداً فإذا بها تلد بنتاً، فإذا به غضبان ويمر على تلك مرة، ويمر على أم تلك البنات نادراً وفي يوم من الأيام قالت:
ما لـ أبي حمزة لا يأتينا غضبان ألا نلد البنينا
والله ما ذلك في أيدينا كالأرض نغرس ما يزرع فينا
تقول: نحن كالأرض نزرع الذي يوضع، ضع براً يطلع براً، ضع شعيراً يطلع شعيراً، ضع بعراً يطلع بعراً، فأنت تبذر ولكن من الذي يخرج؟ الله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة:58 - 61].
فإذا رزقك الله البنات فاحمد الله، ولا تتخلق بأخلاق أهل الجاهلية، فالجاهليون إذا أتتهم بنات غضبوا، قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} [النحل:58 - 59] يهرب من الجماعة: {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:59].
ولا تزال هذه الصفة -وهي صفة الجاهلية- في رءوس كثيرٍ من الناس إلى يومنا هذا، ولهذا إذا جاء له ولد جاءوا يبشرونه: أبشر برجل، فيرفع رأسه، وإذا أتت بنت لا يقولون: أبشر، يقولون: راعية غنم، أي: هذه مسكينة ضعيفة، ولا يستطيع أن يذبح ولا يعزم ولا يفرح لماذا؟ امرأة سبحان الله!! هذه صفة من صفات أهل الجاهلية، لا يا أخي الكريم! فلعل الله أن يجعل البنات أكثر بركة من الرجال، فبعض البنات عند أهلها أبرك من عشرة رجال، بل بعض الناس يقول: أتمنى لو أن كل أولادي من البنات؛ لربيتهم بيدي وزوجتهم وانتقيت الرجال انتقاء، آخذهم من عيال العرب، وأزوجهم حتى صاروا أحسن من أولادي! لكن أولادي تعبت عليهم، ولما كبروا قالوا: نخرج، أين تذهبون؟ قالوا: نحن رجال، لسنا بناتاً تربطنا في البيت؟ طيب، أين تذهبون؟ فذهبوا إلى المخدرات والمقاهي والأرصفة، والفساد والانحراف والجريمة وما استطعت أن أربيهم، قالوا: نحن رجال، لا.
لستم رجالاً، لو أنك رجل لكنت في بيت والدك؛ الرجل هو الذي في بيت والده، فلا يذهب يلعب في المقاهي، والمنكرات، ويقول: أنا رجل ليست هذه هي الرجولة، الرجولة والمروءة في خدمة الوالدين، الرجولة في التمسك بطاعة الله وفي رفع رأس الوالدين.
أما أن تكون رجلاً طويلاً عريضاً لكنك خائب، فليس فيك خير، وأنت قليل دين، تجلس في المقاهي طوال يومك مع قرناء السوء، وتضيع دينك وصلاتك، وتقول لي: رجل؟! لا.
مفاهيم الرجولة ليست هذه -أيها الإخوة- ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت امرأة ومعها بنتان تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدة).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
لا إله إلا الله!! تصوروا الحالة يا إخواني، أكرم بيت على وجه الأرض؛ بيت محمد بن عبد الله ليس فيه إلا تمرة واحدة! تقول: بحثت ولم أجد غير تمرة واحدة، فأعطيتها -تصدقت بها وهي واحدة فقط- قالت: (فأخذتها وشقتها نصفين ثم أعطت كل واحدةٍ منهن نصفاً، ولم تأكل شيئاً، ثم خرجت -قالت عائشة -: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) تقول: أعلمته أن امرأة جاءت تطلب وما عندها إلا تمرة فأعطتها، وكانت الأم جائعة، لكنها فضلت أن يأكلها بناتها ولا تذوقها هي، فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن؛ كنَّ له ستراً من النار) رواه البخاري ومسلم.
وفي مسلم حديث آخر، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (من عال جاريتين -أي: من ربى بنتين- حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا -أي: مثل الإصبعين- وضم بين أصابعه).
من عال جاريتين، أي: من رزق بنتين وعالهما، وكان ملازماً لهما ورباهما وأحسن إليهما؛ جاء يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم.