إذا طبَّل الأب رقص الأولاد، ونكبت الأمة في شخص مثل هذا الرجل، وفي هذه الأسرة المنكوبة والمنحوسة، التي ما تأدبت بكتاب الله، ولا ربت أعضاءها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد عني الإسلام بهذه المسألة وأولاها كثيراً من الاهتمامات، ونظم أمر الأسرة من بداية الخطوات، وهذه أول خطوة؛ يبدأ الإنسان الحياة الأسرية بخطوة اختيار المرأة، وعلى ضوء توفيق الله له، وحسن اختياره للزوجة، يتحدد أيضاً مصير حياته الزوجية والأسرية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام للأمة: (تنكح المرأة لأربع).
وهذا الحديث في البخاري، يقول: المرأة تطلب لأربع خصال، إذا أراد أحد الناس أن يتزوج فليبحث عن خصال إذا وجدت في المرأة: (لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: إذا لم تبحث عن ذات الدين تربت يداك، أي: امتلأت يداك بالتراب، ومعناه: أنت مترب وليس معك شيء، ما معك إلا الخسارة، إذا معك زوجة معها مال، وعندها حسب وجمال لكن ما عندها دين؛ فإنك مترب؛ لأن الدين رأس المال، فاستمسك به فضياعه من أعظم الخسران.
وكل شيءٍ فإن الدين جابره وما لكسر قناة الدين جبران
كل نقص وكسر وقلة، إذا وجد دين فإن الدين يغطي كل شيء.
الدين هو رأس المال، إذا ضاع رأس مالك ماذا بقي معك من الربح؟! قال عليه الصلاة السلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) هذا بالنسبة للمرأة إذا أراد الرجل أن يتزوج.
وإذا أراد رجل عنده بنات أن يزوجهن، من يختار؟ جاء في حديث رواه الحاكم بسند صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فوضع الشرع ميزاناً للاختيار، بحيث لا تتعب والحمد لله! إذا كان عندك عيال وتريد أن تزوجهم فابحث عن صاحبة الدين، وإن كان عندك بنات وتريد أن تزوجهن فابحث عن صاحب الدين.
لكن إذا ما عندك دين، ولا عندك ميزان شرعي؛ لا تدري من تزوج، إن جئت لتزوج ولدك ما عرفت من تزوجه، وإن جئت لتزوج ابنتك ما عرفت من تزوجها؛ لأنه ليس عندك موازين، ولا ضوابط شرعية تميز بها الرجال وتختار من الذي يصلح، فأعطاك النبي صلى الله عليه وسلم الميزان: (إذا أتاكم من ترضون دينه).
لم يقل: من ترضون دراهمه، أو رتبته، أو مكانته، فهذه كلها أشياء جانبية، إذ أول شيء هو الدين.
وبعض الناس إذا جاءه صاحب الدين قال: ماذا أفعل به؟ دينه له وأنا أريد مالاً.
مسكين! تريد مالاً؟! اليهود يريدون مالاً.
يا أخي: المال ينتهي ولا يبقى إلا الدين، ابحث عن صاحب الدين، فإنه يكرمك، ويحترمك ويقدرك، ويحفظ أمانتك، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها، لكن الذي يعطيك المال -ويملأ بطنك- وبعد ذلك يريك عاقبتك، إذا رآك من طريق راح من طريق آخر، وإذا دخلت عليه في البيت ما قام لك، يمد يده لك وهو جالس: ماذا تريد؟! بل من عند الباب يقول: دعوه ولا يأتي! تقول له: ابنتي عندك، قال: اذهب.
قد أعطيناك مالاً، دفعنا الثمن؛ لأنك رجل صاحب مال، وقد أخذت المال، فماذا تريد غير المال؟ لا، الشرع يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه) وأيضاً أضاف النبي عليه الصلاة والسلام إلى الدين الخلق، فإن من الناس من له دين ولكن خلقه سيئ، وهذا نقص في دينه، فإن الخلق من الدين، بل هو جمال الدين، وكان سيد العابدين صلوات الله وسلامه عليه أكرم الناس خلقاً، حتى مدحه الله تعالى وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
ولما سئلت عائشة عن خلقه العظيم؟ قالت: (كان خلقه القرآن) إذا أردت أن تعرف خلق محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن، فالقرآن ممثل في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا نشأت الأسرة الإسلامية على هذا الأساس من حسن اختيار الزوج، وجد الزوج الصالح، والزوجة الصالحة، زوج تقي نقي عابد مصلح، يخشى الله ويخافه، ويرجو ثواب الله، وأيضاً زوجة صالحة، ذاكرة شاكرة قائمة صائمة بارة تقية مطيعة لله ثم لزوجها، زوجةٌ مدركةٌ لمسئوليتها الله أكبر!! ترفرف السعادة على هذه الأسرة؛ لأنها بنيت على صلاح، يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة:109].