الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله: حياكم الله، ومرحباً بكم في روضة من رياض الجنة، وحلقة من حلقات العلم تحفكم فيها الملائكة، وتغشاكم فيها الرحمة، وتنزل عليكم فيها السكينة، ويذكركم الله فيمن عنده، إن حاجة القلوب إلى مثل هذه المجالس أعظم والله من حاجة الأرض إلى المطر، فكما أن المطر هو غيث الأرض، فإن العلم الشرعي هو غيث القلوب، فإذا حرمت القلوب غيثها الرباني وهداها السماوي أقفرت وتحجرت وانعدم خيرها، وكثر شرها، مثلها في ذلك مثل الأرض إذا حبس عنها الغيث وحرمت من المطر أقفرت وانعدم فيها الخير، وكذلك القلوب! وما ترونه من جفافٍ في الأرواح، وقسوة في القلوب، وجمودٍ في الأعين، وجرأةٍ على المعاصي، وكسلٍ وتراخٍ في الطاعات، كل ذلك بسبب حرمان القلوب من سماع العلم الشرعي؛ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا بقاء لك -أيها المسلم- ولا لدينك ولا لحياة قلبك إلا بالاعتصام بكتاب الله، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما عن موضوع المحاضرة فهو موضوعٌ مهم يتعلق بكل مسلم؛ لأنه موضوع إعداد وتربية الأجيال، إعداد الأمهات في مصنع رهبان بالليل فرسان بالنهار.
والبيت المسلم هو أول محضن يعد ويصنع فيه الرجال، ولذا عني الإسلام وألزم الرجل والمرأة بمسئولية مشتركة تجاه هؤلاء الأبرياء الذين يأتون وفي أمانتنا وأعناقنا مسئولية تربيتهم.
وعنوان المحاضرة: (واجب الآباء).
والمعني بالآباء هنا ضمناً: الآباء والأمهات، فإن الدور مشترك، والمسئولية موزعة بين الرجل والمرأة، فكلاهما يبني ويحمي ويوجه، حتى تستقيم الثمرة، ونخرج للمجتمع رجالاً صالحين وفتيات صالحات.
وهذه المسئولية السائل فيها هو الله، وثمرة ونتيجة المسئولية: إما نجاح وإجابة صحيحة وإبراء لذمتك، وقيام بعهدتك أمام الله، فتكون مسئوليتك هذه ناجحة وثمرتها الجنة، وإما خذلان وخيبة وخسران، وسقوط وعدم قيام بالواجب، فتكون نتيجة هذا التقصير النار وبئس القرار.
فهي ليست مثل مسئوليات الدنيا، فمسئوليات الدنيا عليها عقوبات، لكنها ليست كعقوبة مسئولية الآخرة؛ إنها جنة أو نار، وسعادة أبدية أو شقاءٌ أبدي.
قد ورد في حديث في الصحيحين يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته -ثم حدد وقال- فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته).
وهذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مبادئ الإسلام العظيمة، حتى عده بعض أهل العلم ربع الإسلام، لماذا؟ لأنه حدد دوراً واضحاً لكلٍ في موقعه، أنت مسئول ليس فقط كأب، ليست المسألة كما تريد، تقول: أريد أولاداً من أجل أن ألاعبهم وأراقصهم وأتمشى معهم، الأمر ليس بيدك، وأنت أب من أجل أن تكون مسئولاً أمام الله عن تخريج جيل مسلم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث).
ولهذا ينبغي أن تشتغل وتعمل الصالحات قبل أن تموت فينقطع عملك، أنت الآن لك فرصة وإمكانية أن تتزود بالصالحات، وتجمع الحسنات، وتتوب من المعاصي والسيئات إلى أن تموت، فإذا مت انقطع ذكرك إلا من ثلاث، وهذه الثلاث أصلها منك.
الأولى: صدقة جارية، من الذي يضعها؟ أنت، أو ولدك من بعدك يتصدق بها على نيتك.
الثانية: أو علمٌ ينتفع به وهذا منك.
الثالثة: أو ولدٌ صالحٌ يدعو لك، والولد الصالح من أين يأتي؟ أيأتي من مشاهدة الفضائيات؟! والتربية على مشاهدتها، ورؤية الأفلام والمسلسلات الخليعة؟! هذا لا يصير صالحاً، بل يأتي مصيبة عليك، وعلى أمته وبلده والإسلام والمسلمين.