يقول ابن القيم رحمه الله: يا قليل العزم! أُخْرِجَ أبوك آدم من الجنة بذنب، وطُرِدَ إبليس ولُعِنَ بذنب، وأنت عند الباب، وما زلت في الخلاء ومعك مائة ذنب، فكيف تريد أن تصل؟! لا إله إلا الله! ويقول: يا قليل العقل والعزم! الطريق شاق، ناحَ فيه نوح، وذُبِحَ فيه يحيى، وأُلْقِي في النار إبراهيم، وشُجَّ فيه وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقُتِل فيه الشهداء، وأنت تريد الجنة وأنت راقد على فراشك بدون تعب! {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة:214] حتى الرسول نفسه كاد أن يشك: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].
هذا ابتلاء، والذي يظن أنه يمكن له أن يتجاوز الطريق من غير ابتلاء فظنه خاطئ، يقول الله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2] أي: أيظن الناس أن يتركوا لهذه الدعوة دون امتحان؟! فهذا مناهض لسنة الله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3] أما تدري أن الأوامر الشرعية جزء من الابتلاء؟! اختبرنا الله بالأوامر الشرعية، وقد ابتلاك الله بخمس صلوات، ومنها صلاة في أحسن وقت للنوم؛ وقت الفجر، ابتلاك الله لكي يعلم هل أنت صادق فتقوم لتصلي، أم كاذب فتنام، ولهذا كانت صلاة الفجر أثقل الصلوات على المنافقين.
ويقول أحد العلماء: إن صلاة الفجر هي مقياس الإيمان، فإذا أردت أن تعرف درجة إيمانك فاسأل نفسك عن صلاة الفجر، فإن كنت من أهلها بانتظام والتزام فاعلم أنك مؤمن، وإن كنت بعيداً نائماًَ عن صلاة الفجر، فاعلم أنك منافق والحديث في الصحيحين.
منافق لماذا؟! لأنه ما وجد عنده صدق مع الله، وقد يدَّعي أنه سهران، أو أنه تعبان، أو لا يستطيع القيام، كل هذه أعذار واهية؛ لكن لو قيل له: يوزع في المسجد ألف ريال يومياً في الصباح، ومن صلى جماعة في المسجد فله ألف ريال، والله لتقاتلوا على مائة، أما الألف فهي كثيرة، ولو قيل: صدر أمر أن من صلى الجماعة في المسجد كان له مائة ريال، سواءً كان كبيراً أو صغيراً، ذكراً أو أنثى، فوالله ليناموا في المساجد، وليأتين بعضهم في نصف الليل، ولتقاتلوا على الصف الأول، لماذا؟! لأنها مائة ريال، أيْقَنَّا بقيمة المال، ودخل حب المال في قلوب الناس، فيأتون من أجله؛ لكن يوم أن يسمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بشر المشائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) فإنه لن يأتي إلا أهل الإيمان -اللهم اجعلنا وإياكم منهم- أما الذي في قلبه مرض ما الذي سيوقظه؟! إيمانه ضعيف ومريض لا يستطيع أن يقوم لصلاة الفجر؛ لأن الشيطان يبول في أذنيه.
فالأوامر الشرعية جزء من الابتلاء، ابتلانا الله بالصلوات والصيام: وهو حبس النفس عن الشهوات في أيام رمضان، وبالحج والزكاة: وهي الاستعلاء على المال وإخراجه.
وبالجهاد في سبيل الله، هذه كلها ابتلاءات وامتحانات.
ابتلانا الله عز وجل بالنواهي والمحرمات رغم أنها محببة إلى النفوس، حرم الزنا، والنفس تميل إليه، حرم الخمر والربا، حرم جميع المنكرات، ابتلاء واختبار لنا.
ابتلاك الله بالأقدار، فالقدر خيره وشره كله من الله عز وجل، وقد يبدو القدر شراً عندك، لكنه عند الله خيراً: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].
هذا البلاء هو سنة الله في الكون، قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62].