ليس في الدنيا أصلح من غض البصر للقلوب؛ لأن الذي لا يرى شيئاً قلبه مرتاح، يرى زوجته، وإذا أرادها فهي موجودة عنده، يمد يده عليها، لكن الذي ينظر ثم لا يستطيع أن يقدر على شيء يقول:
وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ
رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ
ترى أشكالاً كثيرة من الذي بينك وبين عرضه، لا تقدر عليها كلها، ولا تصبر عنها كلها ولهذا يقول الشاعر:
وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتلُ
الذي جلب الموت لي في قلبي وطعنني وضربني ضربة في قلبي هي: عيني.
وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتلُ
يا رامياً بلحاظ السهم مجتهداً أنت المصاب فلا ترمِ بما تصبِ
وكثير من الناس يخرج من بيته ليس في قلبه هم ولا غم، فإذا رأى امرأة غانية متبرجة -والعياذ بالله- ورأى جمالها وأشارت إليه أو أشار إليها، وتابعها ثم ركبت سيارتها وذهبت ورجع هو إلى البيت رجع وهو مريض، يدخل البيت عند أهله يقدمون له العشاء فيقول: لا أريد عشاء، وهو يزفر الزفرة تقض صدره، ولا يأتيه النوم، ما الذي حصل؟ حريق في قلبه، من الذي أحرقه؟ عينه، طعن نفسه بعينه، لكنه لو غض بصره لأرضى ربه، ولأراح قلبه.
كنت سائراً في طريق من المسجد إلى منزلي ومعي شابٌ مؤمن -ولا أزكي على الله أحداً- وفي الطريق قابلنا اثنتين من الفتيات وكن متبرجات، عليهما عباءات قصيرة وكعوب عالية وثياب مشقوقة، المهم من النظرة الأولى غضيت، وهو معي ولم أقل له شيئاً، جلست أرقبه، وإذا به يغض، وفي الطريق وبعدما تجاوزناهن، نظرت إليه وقلت: ما رأيك: النظر أحسن أم الغض أحسن؟ قال: والله الغض أحسن.
قلت: لماذا؟ قال: لو أني نظرت لكنت الآن مريضاً، لكن صبرت قليلاً، وانتهيت وليس في قلبي شيء، وهكذا -أيها المسلم- تريح قلبك، والله يقول: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30].
والله يعلم مصلحتك ويعلم مضرتك، فهذا أزكى لك أفضل لك أرفع لك أعف لك أهنأ لك أكسب لك في الدنيا والآخرة أن تغض بصرك، فهل حكّمت أمر الله في هذا؟