الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم.
أما بعد: يقول إبراهيم عليه السلام وهو يدعو ربه تبارك وتعالى في سورة الشعراء، حينما جاء على الأصنام التي كانت تعبد من دون الله؛ فأنكرها وحقرها ثم دمرها وحطمها، ثم بعد ذلك ابتهل إلى الله تعالى وقال: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [الشعراء:87 - 102] أي: رجعة إلى الدنيا {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:102 - 104].
فإبراهيم عليه السلام مع حسن المؤهلات وطول الخبرة، وعلو المنزلة عند الله، فالمؤهلات: نبي.
والخبرة: دعوة طويلة.
والمنزلة: أبو الموحدين.
والمكانة: نجاه الله من النار بالخطاب المباشر لها، قال: (قلنا) بدون واسطة، ولكن وحي رباني مباشر إلى النار: {قُلْنَا يَا نَارُ} [الأنبياء:69] النار خاصيتها الإحراق، لكن الذي منحها الخاصية أبطل هذه الخاصية، فالله تعالى هو الذي منحها الخاصية بالإحراق، فلما أراد ألا تحرق قال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً} [الأنبياء:69] لكن ليس برداً يميت {بَرْداً وَسَلاماً} [الأنبياء:69] على من؟ {عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] هذا والله لشأن عظيم أن يثني عليه ربنا ويقول في سورة الصافات: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات:109] يقول: سلم الله عليه! ووالله إن هذه هي السعادة، ويقول: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات:104 - 105] ما أعظمها من منزلة! ومع كل هذه المكانة والقدر يقول: يا ربِّ لا تخزني يوم الدين، فإذا كان أبو الموحدين إبراهيم عليه السلام يخاف من الخزي فكيف بي وبك يا أخي؟! إبراهيم الذي حمل إلى النار وهو مكتف في المنجنيق فتأتي الملائكة وتعرض خدماتها عليه وتقول: ألك حاجة يا إبراهيم؟ فيقول: أما إليكم فلا، وأما إلى ربي فنعم، في أصعب الظروف، وفي أحلك المواقف يصر على التوحيد، لكن أكثر الناس اليوم موحد بالعافية، وإذا جاء المرض أشرك بالله، وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] إذا جاءه المرض ذهب إلى الكاهن والمشعوذ يشكو الله يشكو القوي على الضعيف! لا إله إلا الله!!