يقول أهل النار: يا مالك! يدعونه فيقول: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] قالوا: لا جدوى.
تعالوا نتوسط بصغار الموظفين؛ لأن مالك المدير العام -أي: المسئول الأول في النار- ما ضحك ولا يعرف الضحك، مخلوق من سخط الله، وتحته رؤساء الأقسام تسعة عشر، قال الله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30] يعني مسئولين، غلاظ شداد: غلاظ في الخلقة، شداد في الأخلاق، خلقتهم غليظة وأخلاقهم شديدة؛ لأنهم مخصصون للعذاب {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
ورد في الحديث أن الله تعالى إذا قال للملائكة -حينما يؤتى بالفاجر-: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] أنه يبتدره سبعون ألف ملك يقومون لكلمة (خُذُوهُ) -ليس ملكاً واحداً فقط- وإن الملك الواحد ليأخذ سبعين ألفاً في النار، لكن عندما يقول الله تعالى: (خُذُوهُ) يقوم للأمر سبعون ألف ملك، (فَغُلُّوهُ) الغل: وضع القيد في الرقبة مع اليدين والرجلين، ثم بعد ذلك: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:31 - 32] تدخل من فمه وتخرج من دبره حتى يشتوى في النار مثل الدجاج في المشواة، لماذا يا رب؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33] هذا سبب، أي: ليس عنده خوف من الله، ولا مراقبة لله عز وجل: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:34 - 37].
ثم بعد ذلك يقولون: نرى صغار الموظفين لعلهم يتوسطون أو يشفعون، فأخبر الله تعالى في سورة غافر - سورة المؤمن- عن الخطاب الذي يقوله أهل النار لخزنة النار قال عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يريدون يوماً واحداً فقط يريدون تخفيفاً من النار حتى يوماً واحداً {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر:49 - 50] بلى.
جاءت الرسل، والكتب، والبينات؛ لأن الملائكة لا تتصور أن أحداً يبلغه دين الله ويرفضه، وهل خلقك ربي إلا للدين؟! هل خلقك الله سبهللاً أنت والأنعام سواء؟! تأكل وتشرب وتنكح وتنام وتقوم وتقعد وتسير؟! أنت لك ميزة، لك رسالة وهدف، أنت مخلوق للعبادة، وقد سخر لخدمتك هذا الكون؛ فلا تتصور الملائكة أن أحداً يأتيه الدين ويرفضه: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50] يعني: تصيحون أو لا تصيحون فصياحكم في ضلال لا يُنتبه له ولا يُسمع لكم.